والأزمنة ذكر الأيام دون الليالي - لان الميقات كان للتقرب إلى الله سبحانه ومناجاته وذكره، وذلك أخص بالليل وأنسب لما فيه من اجتماع الحواس عن التفرق وزيادة تهيؤ النفس للانس وقد كان من بركات هذا الميقات نزول التوراة.
وهذا كما يشير إلى مثله قوله تعالى: " يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا - إلى أن قال - إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا " المزمل: 7، وقوله تعالى: " وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي " إنما قاله حين ما كان يفارقهم للميقات، والدليل على ذلك قوله: " اخلفني في قومي " فإن الاستخلاف لا يكون إلا في غيبة. وإنما عبر بلفظ " قومي " دون بني إسرائيل لتجري القصة على سياق سائر القصص المذكورة في هذه السورة فقد حكي فيها عن لفظ نوح وهود وصالح وغيرهم: يا قوم يا قوم، وعلى ذلك أجريت هذه القصة فعبر فيها عن بني إسرائيل في بضعة مواضع بلفظ القوم، وقد عبر عنهم في سورة طه ببني إسرائيل.
وأما قوله لأخيه ثانيا: " وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " فهو أمر له بالاصلاح وأن لا يتبع سبيل أهل الفساد، وهارون نبي مرسل معصوم لا تصدر عنه المعصية، ولا يتأتى منه اتباع أهل الفساد في دينهم، وموسى عليه السلام أعلم بحال أخيه فليس مراده نهيه عن الكفر والمعصية بل أن لا يتبع في إدارة أمور قومه ما يشير إليه ويستصوبه المفسدون من القوم أيام خلافته ما دام موسى غائبا.
ومن الدليل عليه قوله: " وأصلح " فإنه يدل على أن المراد بقوله: " ولا تتبع سبيل المفسدين " أن يصلح أمرهم ولا يسير فيهم سيرة هي سبيل المفسدين الذي يستحسنونه ويشيرون إليه بذلك.
ومن هنا يتأيد أنه كان في قومه يومئذ جمع من المفسدين يفسدون ويقلبون عليه الأمور ويتربصون به الدوائر فنهى موسى أخاه أن يتبع سبيلهم فيشوشوا عليه الامر ويكيدوا ويمكروا به فيتفرق جمع بني إسرائيل ويتشتت شملهم بعد تلك المحن والأذايا التي كابدها في إحياء كلمة الاتحاد بينهم.
قوله تعالى: " ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني " الآية، التجلي مطاوعة