تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٤١
الآتي إن شاء الله تعالى.
والذي ينجلي من كلامه تعالى أن هذا العلم المسمى بالرؤية واللقاء يتم للصالحين من عباد الله يوم القيامة كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " القيامة: 23، فهناك موطن التشرف بهذا التشريف، وأما في هذه الدنيا والانسان مشتغل ببدنه، ومنغمر في غمرات حوائجه الطبيعية، وهو سالك لطريق اللقاء والعلم الضروري بآيات ربه، كادح إلى ربه كدحا ليلاقيه فهو بعد في طريق هذا العلم لن يتم له حق يلاقي ربه، قال تعالى: " يا أيها الانسان أنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " الانشقاق: 6، وفي معناه آيات كثيرة أخرى تدل على أنه تعالى إليه المرجع والمصير والمنتهى، وإليه يرجعون وإليه يقلبون.
فهذا هو العلم الضروري الخاص الذي أثبته الله تعالى لنفسه وسماه رؤية ولقاء، ولا يهمنا البحث عن أنها على نحو الحقيقة أو المجاز فإن القرائن كما عرفت قائمة على إرادة ذلك فإن كانت حقيقة كانت قرائن معينة، وإن كانت مجازا كانت صارفة، والقرآن الكريم أول كاشف عن هذه الحقيقة على هذا الوجه البديع، فالكتب السماوية السابقة على ما بأيدينا ساكتة عن إثبات هذا النوع من العلم بالله وتخلو عنه الأبحاث المأثورة عن الفلاسفة الباحثين عن هذه المسائل فإن العلم الحضوري عندهم كان منحصرا في علم الشئ بنفسه حتى كشف عنه في الاسلام فللقرآن المنة في تنقيح المعارف الإلهية.
ولنرجع إلى الآية المبحوث عنها:
فقوله: " ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك " سؤال منه عليه السلام للرؤية بمعنى العلم الضروري على ما تقدم من معناه فإن الله سبحانه لما خصه بما حباه من العلم به من جهة النظر في آياته ثم زاد على ذلك أن اصطفاه برسالاته وبتكليمه وهو العلم بالله من جهة السمع رجا عليه السلام أن يزيده بالعلم من جهة الرؤية وهو كمال العلم الضروري بالله والله خير مرجو و مأمول.
فهذا هو المسؤول دون الرؤية بمعنى الابصار بالتحديق الذي يجل موسى عليه السلام ذاك النبي الكريم أن يجهل بامتناعه عليه تعالى وتقدس.
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»
الفهرست