تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٤٠
أنه بكل شئ محيط " الآية. حيث أثبت أولا أنه على كل شئ حاضر أو مشهود لا يختص بجهة دون جهة وبمكان دون مكان وبشئ دون شئ بل شهيد على كل شئ محيط بكل شئ فلو وجده شئ لوجده على ظاهر كل شئ وباطنه وعلى نفس وجدانه وعلى نفسه، وعلى هذه السمة لقاؤه لو كان هناك لقاء لا على نحو اللقاء الحسي الذي لا يتأتى البتة إلا بمواجهة جسمانية وتعين جهة ومكان وزمان، وبهذا يشعر ما في قوله : " ما كذب الفؤاد ما رأى من نسبة الرؤية إلى الفؤاد الذي لا شبهه في كون المراد به هو النفس الانسانية الشاعرة دون اللحم الصنوبري المعلق على يسار الصدر داخلا.
ونظير ذلك قوله تعالى: " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا أنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " المطففين: 15، دل على أن الذي يجبهم عنه تعالى رين المعاصي والذنوب التي اكتسبوها فحال بين قلوبهم أي أنفسهم وبين ربهم فحجبهم عن تشريف المشاهدة، ولو رأوه لرأوه بقلوبهم أي أنفسهم لا بأبصارهم وأحداقهم.
وقد أثبت الله سبحانه في موارد من كلامه قسما آخر من الرؤية وراء رؤية الجارحة كقوله تعالى: " كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين " التكاثر: 7، وقوله: " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين " الانعام - 75، وقد تقدم تفسير الآية في الجزء السابع من الكتاب، وبينا هناك أن الملكوت هو باطن الأشياء لا ظاهرها الحسوس.
فبهذه الوجوه يظهر أنه تعالى يثبت في كلامه قسما من الرؤية والمشاهدة وراء الرؤية البصرية الحسية، وهي نوع شعور في الانسان يشعر بالشئ بنفسه من غير استعمال آله حسية أو فكرية، وأن للانسان شعورا بربه غير ما يعتقد بوجوده من طريق الفكر واستخدام الدليل بل يجده وجدانا من غير أن يحجبه عنه حاجب ولا يجره إلى الغفلة عنه إلا اشتغاله بنفسه وبمعاصيه التي اكتسبها، وهي مع ذلك غفلة عن أمر موجود مشهود لا زوال علم بالكلية ومن أصله فليس في كلامه تعالى ما يشعر بذلك البتة بل عبر عن هذا الجهل بالغفلة وهي زوال العلم بالعلم لا زوال أصل العلم.
فهذا ما بينه كلامه سبحانه، ويؤيده العقل بساطع براهينه، وكذا ما ورد من الاخبار عن أئمة أهل البيت عليهم السلام على ما سننقلها ونبحث عنها في البحث الروائي
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»
الفهرست