تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٣٧
التجلية من الجلاء بمعنى الظهور، والدك هو أشد الدق، وجعله دكا أي مدكوكا والخرور هو السقوط، والصعقة هي الموت أو الغشية بجمود الحواس وبطلان إدراكها، والإفاقة الرجوع إلى حال سلامة العقل والحواس يقال: أفاق من غشيته أي رجع إلى حال استقامة الشعور والادراك.
ومعنى الآية على ما يستفاد من ظاهر نظمها أنه " لما جاء موسى لميقاتنا " الذي وقتناه له " وكلمه ربه " بكلامه " قال " أي موسى " رب أرني أنظر إليك " أي أرني نفسك أنظر إليك أي مكني من النظر إليك حتى أنظر إليك وأراك فإن الرؤية فرع النظر، والنظر فرع التمكين من الرؤية والتمكن منها، " قال " الله تعالى لموسى " لن تراني " أبدا " ولكن انظر إلى الجبل " وكان جبلا بحياله مشهودا له أشير إليه بلام العهد الحضوري " ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني " أي لن تطيق رؤيتي فانظر إلى الجبل فإني أظهر له فإن استقر مكانه وأطاق رؤيتي فاعلم أنك تطيق النظر إلي ورؤيتي " فلما تجلى " وظهر " ربه للجبل جعله " بتجليه " دكا " مدكوكا متلاشيا في الجو أو سائحا " وخر موسى صعقا " ميتا أو مغشيا عليه من هول ما رأى " فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك " رجعت إليك مما اقترحته عليك " وأنا أول المؤمنين " بأنك لا ترى. هذا ظاهر ألفاظ الآية.
والذي يعطيه التدبر فيها أن حديث الرؤية والنظر الذي وقع في الآية إذا عرضناه على الفهم العامي المتعارف حمله على رؤية العين ونظر الابصار، ولا نشك ولن نشك أن الرؤية والابصار يحتاج إلى عمل طبيعي في جهاز الابصار يهيئ للباصر صوره مماثلة لصورة الجسم المبصر في شكله ولونه.
وبالجملة هذا الذي نسميه الابصار الطبيعي يحتاج إلى مادة جسمية في المبصر والباصر جميع، وهذا لا شك فيه.
والتعليم القرآني يعطي إعطاء ضروريا أن الله تعالى لا يماثله شئ بوجه من الوجوه البتة فليس بجسم ولا جسماني، ولا يحيط به مكان ولا زمان، ولا تحويه جهة ولا توجد صورة مماثلة أو مشابهه له بوجه من الوجوه في خارج ولا ذهن البتة.
وما هذا شأنه لا يتعلق به الابصار بالمعنى الذي نجده من أنفسنا البتة، ولا تنطبق
(٢٣٧)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»
الفهرست