تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٣٩
أعلم بوجود إبراهيم عليه السلام وإسكندر وكسرى كأني رأيتهم، ولا تقول رأيتهم أو أراهم، وتقول: اعلم بوجود لندن وشيكاغو ومسكو، ولا تقول رأيتها أو أراها.
وأوضح من ذلك علمنا الضروري بالبديهيات الأولية التي هي لكليتها غير مادية ولا محسوسة مثل قولنا: " الواحد نصف الاثنين " و " الأربعة زوج " و " الإضافة قائمة بطرفين " فإنها علوم ضرورية يصح إطلاق العلم عليها ولا يصح إطلاق الرؤية البتة.
ونظير ذلك جميع التصديقات العقلية الفكرية، وكذا المعاني الوهمية وبالجملة ما نسميها بالعلوم الحصولية لا نسميها رؤية وان أطلقنا عليها العلم فنقول علمناها ولا نقول:
رأيناها الا بمعنى القضاء والحكم لا بمعنى المشاهدة والوجدان.
لكن بين معلوماتنا ما لا نتوقف في اطلاق الرؤية عليه واستعمالها فيه، نقول: أرى أني أنا وأراني أريد كذا وأكره كذا، وأحب كذا وأبغض كذا وأرجو كذا وأتمنى كذا أي أجد ذاتي وأشاهدها بنفسها من غير أن أحتجب عنها بحاجب، وأجد وأشاهد إرادتي الباطنة التي ليست بمحسوسة ولا فكرية وأجد في باطن ذاتي كراهة وحبا وبغضا ورجاء وتمنيا وهكذا.
وهذا غير قول القائل: رأيتك تحب كذا وتبغض كذا وغير ذلك فإن معنى كلامه أبصرتك في هيئة استدللت بها على أن فيك حبا وبغضا ونحو ذلك وأما حكاية الانسان عن نفسه أنه يراه يريد ويكره ويحب ويبغض فإنه يريد به أنه يجد هذه الأمور بنفسها وواقعيتها لا أنه يستدل عليها فيقضي بوجودها من طريق الاستدلال بل يجدها من نفسه من غير حاجب يحجبها ولا توسل بوسيلة تدل عليها البتة.
و تسمية هذا القسم من العلم الذي يجد فيه الانسان نفس المعلوم بواقعيته الخارجية رؤية مطردة، وهي علم الانسان بذاته وقواه الباطنة وأوصاف ذاته وأحواله الداخلية وليس فيها مداخلة جهة أو مكان أو زمان أو حالة جسمانية أخرى غيرها فافهم ذلك وأجد التدبر فيه.
والله سبحانه فيما أثبت من الرؤية يذكر معها خصوصيات ويضم إليها ضمائم يدلنا ذلك على أن المراد بالرؤية هذا القسم من العلم الذي نسميه فيما عندنا أيضا رؤية كما في قوله: " أ ولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد إلا انهم في مرية من لقاء ربهم إلا
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»
الفهرست