وقوله: " وخر موسى صعقا " ظاهر السياق أن الذي أصعقه هو هول ما رأى وشاهد غير أنه يجب أن يتذكر أنه هو الذي ألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين تلقف الألوف من الثعابين والحيات، وفلق البحر فأغرق الألوف ثم الألوف من آل فرعون في لحظة ورفع الجبل فوق رؤس بني إسرائيل كأنه ظلة، وأتى بآيات هائلة أخرى وهي أهول من اندكاك جبل، وأعظم، ولم يصعقه شئ من ذلك ولم يدهشه.
واندكاك الجبل أهون من ذلك، وهو بحسب الظاهر في أمن من أن يصيبه في ذلك خطر فإن الله إنما دكه ليشهده كيفية الامر!.
فهذا كله يشهد أن الذي أصعقه إنما هو ما تمثل له من معنى ما سأله وعظمة القهر الإلهي الذي أشرف أن يشاهده ولم يشاهده هو وإنما شاهده الجبل فآل أمره إلى ذاك الاندكاك العجيب الذي لم يستقر معه مكانه ولا طرفة عين، ويشهد بذلك أيضا توبته عليه السلام بعد الإفاقة كما سيأتي.
وقوله: " فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين " توبة ورجوع منه عليه السلام بعد الإفاقة إذ تبين له أن الذي سأله وقع في غير موقعه فأخذته العناية الإلهية بتعريفه ذلك وتعليمه عيانا بإشهاده دك الجبل بالتجلي أنه غير ممكن.
فبدأ بتنزيهه تعالى وتقديسه عما كان يرى من إمكان ذلك ثم عقبه بالتوبة عما أقدم عليه وهو يطمع في أن يتوب عليه، وليس من الواجب في التوبة أن تكون دائما عن معصية وجرم بل هو الرجوع إليه تعالى لشائبة بعد كيف كان كما تقدم البحث فيه في الجزء الرابع من الكتاب.
ثم عقب عليه السلام ذلك بالاقرار والشهادة بقوله: " وأنا أول المؤمنين " أي أول المؤمنين من قومي بأنك لا ترى. هذا ما يدل عليه المقام، وأن كان من المحتمل أن يكون المراد وأنا أول المؤمنين من بين قومي بما آتيتني وهديتني إليه آمنت بك قبل أن يؤمنوا فحقيق بي أن أتوب إليك إذا علق بي تقصير أو قصور لكنه معنى بعيد.
قوله تعالى: " قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين " المراد بالاصطفاء الاختيار على وجه التصفية، ولذلك عدى إلى الناس بعلى، والمراد بالرسالات هو ما حمل من الأوامر والنواهي الإلهية من