والمراد بالخوف معناه المعروف دون العلم وما في معناه إذ لا دليل عليه بحسب ظاهر المعنى المتبادر من السياق، والامر بإنذار خصوص الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم لا ينافي عموم الانذار لهم ولغيرهم كما يدل عليه قوله في الآيات السابقة: (وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) (آية: 19) بل لما كان خوف الحشر إلى الله معينا لنفوسهم على القبول ومقربا للدعوة إلى أفهامهم أفاد تخصيص الامر بالانذار بهم ووصفهم هذا الوصف تأكيدا لدعوتهم وتحريضا له أن لا يسامح في أمرهم ولا يضعهم موضع غيرهم بل يخصهم بمزيد عناية بدعوتهم لان موقفهم أقرب من الحق وإيمانهم أرجى فالآية بضميمة سائر آيات الامر بالانذار العام تفيد من المعنى: أن أنذر الناس عامة ولا سيما الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم.
وقوله: (ليس لهم من دونه ولى ولا شفيع) نفى مطلق لولاية غير الله وشفاعته فيقيده الآيات الاخر المقيدة كقوله: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه: (البقرة:
255) وقوله: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) (الأنبياء: 28) وقوله: (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) (الزخرف: 86).
وإنما لم يستثن في الآية لان الكلام يواجه به الوثنيون الذين كانوا يقولون بولاية الأوثان وشفاعتها، ولم يكونوا يقولون بذلك بالاذن والجعل فإن الولاية والشفاعة عن إذن يحتاج القول به إلى العلم، به والعلم إلى الوحي والنبوة، وهم لم يكونوا قائلين بالنبوة، وأما الذي أثبتوه من الولاية والشفاعة فكأنه أمر متهئ لأوليائهم وشركائهم بالضرورة من طبعها لا بإذن من الله كأن أقوياء الوجود من الخليقة لها نوع من التصرف في ضعفائه بالطبع وإن لم يأذن به الله سبحانه، وإن شئت قلت: لازمه أن يكون إيجادها إذنا اضطراريا في التصرف في ما دونها.
وبالجملة قيل: (ما لهم من دونه ولى ولا شفيع) ولم يقل: إلا بإذنه لان المشركين إنما قالوا إن الأوثان أولياء وشفعاء من غير تقييد فنفى ما ذكروه من الولي والشفيع من دون الله محاذاة بالنفي لاثباتهم، وأما الاستثناء فهو وإن كان صحيحا كما وقع في مواضع من كلامه تعالى لكن لا يتعلق به غرض ههنا.
وقد تبين مما تقدم أن الآية على إطلاق ظاهرها تأمر بإنذار كل من لا يخلو من استشعار