إلى آخر الآية على ما سيجئ من معناها.
قوله تعالى: (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون) الآية كالبيان لقوله: (وإن كان كبر عليك إعراضهم) إلى آخر الآية فإن ملخصه إنك لا تستطيع صرفهم عن هذا الاعراض، والحصول على آية تسوقهم إلى الايمان، فبين في هذه الآية أنهم بمنزلة الموتى لا شعور لهم ولا سمع حتى يشعروا بمعنى الدعوة الدينية ويسمعوا دعوة الداعي وهو النبي صلى الله عليه وآله. فهذه الهياكل المتراءات من الناس صنفان: صنف منهم أحياء يسمعون، وإنما يستجيب الذين يسمعون، وصنف منهم أموات لا يسمعون وإن كانوا ظاهرا في صور الاحياء وهؤلاء يتوقف سمعهم الكلام على أن يبعثهم الله، وسوف يبعثهم فيسمعون ما لم يستطيعوا سمعه في الدنيا كما حكاه الله عنهم بقوله: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون) (السجدة: 12) فالكلام مسوق سوق الكناية، والمراد بالذين يسمعون المؤمنون وبالموتى المعرضون عن استجابة الدعوة من المشركين وغيرهم، وقد تكرر في كلامه تعالى وصف المؤمنين بالحياة والسمع، ووصف الكفار بالموت والصمم كما قال تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) (الانعام: 122) وقال تعالى: إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) (النمل: 81) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
وقد تكرر في بعض الأبحاث السابقة معنى آخر لهذه الأوصاف التي حملها الجمهور من المفسرين على الكناية والتشبيه، وأن لها معنى من الحقيقة فليراجع.
وفي الآية دلالة على أن الكفار والمشركين سيفهمهم الله الحق ويسمعهم دعوته في الآخرة كما فهم المؤمنين وأسمعهم في الدنيا، فالانسان مؤمنا كان أو كافرا لا مناص له عن فهم الحق عاجلا أو آجلا.