(ويهدى إليه من أناب) (الرعد: 27) أي انعطف ورجع إليه، وأما الفاسق الزائغ قلبه المخلد إلى الأرض المائل إلى الغواية فإن الله لا يشاء هدايته ولا يغشاه برحمته كما قال:
(يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين) (البقرة: 26) وقال:
(فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) (الصف: 5) وقال: (ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) (الأعراف: 176).
وبالجملة فالدعوة الدينية لا تسلك إلا سبيل الاختيار، والآيات الإلهية لا تنزل الا مع مراعاة الاختيار، ولا يهدى الله سبحانه إليه إلا من تعرض لرحمته واستعد لهدايته من طريق الاختيار.
وبهذا تنحل شبهة أخرى لا تخلو عن إعضال، وهى أنا سلمنا أن إنزاله تعالى آية تجبرهم على الايمان وتضطرهم إلى قبول الدعوة الدينية ينافي أساس الاختيار الذي تبتنى عليه بنية الدعوة الدينية لكن لم لا يجوز أن يشاء الله إيمان الناس جميعا على حد مشيته إيمان من آمن منهم بأن يشاء من الجميع أن يشاءوا كما شاء من المؤمنين خاصه أن يشاءوا ثم ينزل آية تسوقهم إلى الهدى، وتلبسهم الايمان من غير أن يبطل بذلك اختيارهم وحريتهم في العمل.
وذلك أنه وإن أمكن ذلك بالنظر إلى نفسه لكنه ينافي الناموس العام في عالم الأسباب، ونظام الاستعداد والإفاضة فالهدى إنما يفاض على من اتقى الله وزكى نفسه وقد أفلح من زكاها، ولا يصيب الضلال إلا من أعرض من ذكر ربه ودسى نفسه وقد خاب من دساها، وإصابة الضلال هو أن يمنع الانسان الهدى قال تعالى: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا، كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) (الاسراء: 20) أي ممنوعا فالله سبحانه يمد كل نفس من عطائه بما يستحقه فإن أراد الخير أوتيه وإن أراد الشر أوتيه أي منع من الخير، ولو شاء الله لكل نفس صالحة أو طالحة أن تشاء الخير وتنكب على الايمان والتقوى من طريق الاختيار كان في ذلك إبطال النظام العام وإفساد أمر الأسباب.
وتؤيد ما ذكر الآية التالية أعني قوله تعالى: (إنما يستجيب الذين يسمعون)