تحقيق في الماضي، وتفيد في المضارع التقليل وربما استعملت فيه أيضا للتحقيق، وهو المراد في الآية، وحزنه كذا وأحزنه بمعنى واحد، وقد قرئ بكلا الوجهين.
وقوله: (فإنهم لا يكذبونك) قرئ بالتشديد من باب التفعيل، وبالتخفيف، والظاهر أن الفاء في قوله: (فإنهم) للتفريع وكأن المعنى قد نعلم إن قولهم ليحزنك لكن لا ينبغي أن يحزنك ذلك فإنه ليس يعود تكذيبهم إليك لأنك لا تدعو إلا إلينا، وليس لك فيه إلا الرساهة بل هم يظلمون بذلك آياتنا ويجحدونها.
فما في هذه الآية مع قوله في آخر الآيات: (ثم إليه يرجعون) في معنى قوله تعالى: (ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور) (لقمان: 23) وقوله: (فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون) (يس: 76) وغير ذلك من الآيات النازلة في تسليته صلى الله عليه وآله وسلم، هذا على قراءة التشديد.
وأما على قراءة التخفيف فالمعنى: لا تحزن فإنهم لا يظهرون عليك بإثبات كذبك فيما تدعو إليه، ولا يبطلون حجتك بحجة وإنما يظلمون آيات الله بجحدها وإليه مرجعهم.
وقوله: (ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) كان ظاهر السياق أن يقال:
ولكنهم، فالعدول إلى الظاهر للدلالة على أن الجحد منهم إنما هو عن ظلم منهم لا عن قصور وجهل وغير ذلك فليس إلا عتوا وبغيا وطغيانا وسيبعثهم الله ثم إليه يرجعون.
ولذلك وقع الالتفات في الكلام من التكلم إلى الغيبة: (فقيل بآيات الله) ولم يقل: بآياتنا، للدلالة على أن ذلك منهم معارضة مع مقام الألوهية واستعلاء عليه وهو المقام الذي لا يقوم له شئ.
وقد قيل في تفسير معنى الآية وجوه أخرى:
أحدها: ما عن الأكثر أن المعنى: لا يكذبونك بقلوبهم اعتقادا، وإنما يظهرون التكذيب بأفواههم عنادا.
وثانيها: أنهم لا يكذبونك وإنما يكذبونني فإن تكذيبك راجع إلى ولست