قوله تعالى: (وهم ينهون عنه وينئون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون) ينهون عنه أي عن أتباعه، والنأي الابتعاد، والقصر في قوله: (وإن يهلكون إلا أنفسهم) من قصر القلب فإنهم كانوا يحسبون أن النهى عنه والنأي عنه إهلاك له وإبطال للدعوة الإلهية، ويأبى الله إلا أن يتم نوره فهم هم الهالكون من حيث لا يشعرون.
قوله تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على النار) إلى آخر الآيتين. بيان لعاقبة جحودهم وإصرارهم على الكفر والاعراض عن آيات الله تعالى.
وقوله: (يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا) الخ، على قراءة النصب في (نكذب) و (نكون) تمن منهم للرجوع إلى الدنيا والانسلاك في سلك المؤمنين ليخلصوا به من عذاب النار يوم القيامة وهذا القول منهم نظير إنكارهم الشرك بالله وحلفهم بالله على ذلك كذبا من باب ظهور ملكاتهم النفسانية يوم القيامة فإنهم قد اعتادوا التمني فيما لا سبيل لهم إلى حيازته من الخيرات والمنافع الفائتة عنهم، وخاصة إذا كان فوتها مستندا إلى سوء اختيارهم وقصور تدبيرهم في العمل، ونظيره أيضا ما سيجئ من تحصرهم على ما فرطوا في أمر الساعة. على أن التمني يصح في المحالات المتعذرة كما يصح في الممكنات المتعسرة كتمني رجوع الأيام الخالية وغير ذلك قال الشاعر:
ليت وهل ينفع شيئا ليت * ليت الشباب بوع فاشتريت وقوله: (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) الخ، ظاهر الكلام أن مرجع الضمائر أعني ضمائر (لهم) و (كانوا) و (يخفون) واحد وهو المشركون السابق ذكرهم، وأن المراد بالقبل هو الدنيا فالمعنى أنه ظهر لهؤلاء المشركين حين وقفوا على النار ما كانوا هم أنفسهم يخفونه في الدنيا فبعثهم ظهور ذلك على أن تمنوا الرد إلى الدنيا، والايمان بآيات الله، والدخول في جماعة المؤمنين.
ولم يبدلهم إلا النار التي وقفوا عليها يوم القيامة فقد كانوا اخفوها في الدنيا بالكفر والستر للحق والتغطية عليه بعد ظهوره لهم كما يشير إليه نحو قوله تعالى: (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) (ق: 22).