مخالفة الحق والتكذيب بآيات الله تعالى هو على حاله مع فرض ردهم إلى الدنيا بعد البعث، فحكمه حكمه من غير فرق.
وقوله: (وإنهم لكاذبون) أي في قولهم: (يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا) الخ، والتمني وإن كان إنشاء لا يقع فيه الصدق والكذب إلا أنهم لما قالوا: (نرد ولا نكذب، أي ردنا الله إلى الدنيا ولو ردنا لم نكذب، ولم يقولوا: (نعود ولا نكذب، كان كلامهم مضمنا للمسألة والوعد أعني مسألة الرد ووعد الايمان والعمل الصالح كما صرح بذلك في قوله: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون) (السجدة: 12) وقوله: (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) (الفاطر: 37).
وبالجملة قولهم: (يا ليتنا نرد ولا نكذب) الخ، في معنى قولهم ربنا ردنا إلى الدنيا لا نكذب بآياتك ونكن من المؤمنين، وبهذا الاعتبار يحتمل الصدق والكذب، ويصح عدهم كاذبين.
وربما وجه نسبة الكذب إليهم في تمنيهم بأن المراد كذب الامل والتمني وهو عدم تحققه خارجا كما يقال: كذبك أملك، لمن تمنى ما لا يدرك.
وربما قيل: إن المراد كذبهم في سائر ما يخبرون به عن أنفسهم من إصابة الواقع واعتقاد الحق، هو كما ترى.
قوله تعالى: (وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا) إلى آخر الآيتين. ذكر لانكارهم الصريح للحشر وما يستتبعه يوم القيامة من الاشهاد وأخذ الاعتراف بما أنكروه، والوثنية كانت تنكر المعاد كما حكى الله عنهم ذلك في كلامه غير مرة، وقولهم بشفاعة الشركاء إنما كان في الأمور الدنيوية من جلب المنافع إليهم ودفع المضار والمخاوف عنهم.
فقوله: (وقالوا ان هي) الخ، حكاية لانكارهم أي ما الحياة إلا حياتنا الدنيا لا حياة بعدها، وما نحن بمبعوثين بعد الممات، وقوله: (ولو ترى إذ وقفوا) كالجواب وهو بيان ما يستتبعه قولهم: ان هي إلا، (الخ) للنبي صلى الله عليه وآله في صورة التمني لمكان قوله: