وأما نفس الحق الذي كفروا به في الدنيا مع ظهوره لهم فهو كان بادئا لهم من قبل والسياق يأبى أن يكون مجرد ظهور الحق لهم مع الغض عن ظهور النار وهول يوم القيامة باعثا لهم على هذا التمني.
ويشعر بذلك بعض ما في نظير المقام من كلامه تعالى كقوله: (وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) (الجاثية: 33) وقوله:
(ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) (الزمر: 48).
وقد ذكروا في الآية أعني قوله: (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) وجوها كثيرة أنهاها في المنار إلى تسعة أوجه قال: (وفيه أقوال: الأول أنه أعمالهم السيئة وقبائحهم الشائنة ظهرت لهم في صحائفهم، وشهدت بها عليهم جوارحهم.
الثاني: أنه أعمالهم التي كانوا يفترون بها ويظنون أن سعادتهم فيها إذ يجعلها الله تعالى هباء منثورا.
الثالث: أنه كفرهم وتكذيبهم الذي أخفوه في الآخرة من قبل أن يوقفوا على النار كما تقدم حكايته عنهم في قوله تعالى: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين.
الرابع: أنه الحق أو الايمان الذي كانوا يسرونه ويخفونه بإظهار الكفر والتكذيب عنادا للرسول واستكبارا عن الحق، وهذا إنما ينطبق على أشد الناس كفرا من المعاندين المتكبرين الذين قال في بعضهم: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) ظلما وعلوا).
الخامس: أنه ما كان يخفيه الرؤساء عن أتباعهم من الحق الذي جاءت به الرسل بدا للاتباع الذين كانوا مقلدين لهم، ومنه كتمان بعض أهل الكتاب لرسالة نبينا صلى الله عليه وآله وصفاته وبشارة أنبيائهم به.