التطرف بالشرك إلى اعتدال التوحيد وما كان من المشركين، وقد تقدم توضيح هذه المعاني في تفسير الآيات السابقة من السورة.
قوله تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله - إلى قوله - أول المسلمين) النسك مطلق العبادة، وكثر استعماله في الذبح أو الذبيحة تقربا إلى الله سبحانه.
أمره صلى الله عليه وآله وسلم ثانيا أن يخبرهم بأنه عامل بما هداه الله إليه متلبس به كما أنه مأمور بذلك ليكون أبعد من التهمة عندهم وأقرب إلى تلقيهم بالقبول فإن من إمارة الصدق أن يعمل الانسان بما يندب إليه، ويطابق فعله قوله.
فقال: قل: إنني جعلت صلاتي ومطلق عبادتي - واختصت الصلاة بالذكر استقلالا لمزيد العناية بها منه تعالى - ومحياي بجميع ما له من الشؤون الراجعة إلى من أعمال وأوصاف وأفعال وتروك، ومماتي بجميع ما يعود إلى من أموره وهى الجهات التي ترجع منه إلى الحياة - كما قال: كما تعيشون تموتون - جعلتها كلها لله رب العالمين من غير أن أشرك به فيها أحدا فأنا عبد في جميع شؤوني في حياتي ومماتي لله وحده وجهت وجهي إليه لا أقصد شيئا ولا أتركه إلا له ولا أسير في مسير حياتي ولا أرد مماتي إلا له فإنه رب العالمين، يملك الكل ويدبر أمرهم.
وقد أمرت بهذا النحو من العبودية، وأنا أول المسلمين لله فيما أراده من العبودية التامة في كل باب وجهة.
ومن هنا يظهر أن المراد بقوله: (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله) إظهار الاخلاص العبودي أو إنشاؤه فيما يرجع إليه من شؤون العبادة والحياة والموت دون الاخبار عن الاخلاص في العبادة والاعتقاد بأن مالك الموت والحياة هو الله تعالى، والدليل على ما ذكرنا قوله: (وبذلك أمرت) فظاهر إنه أمر بجعل الجميع لله سبحانه بمعنى واحد لا بجعل الأولين له إخلاصا وتسليما والاعتقاد بأن الأخيرين له إلا بتكلف.
وفي قوله: (وإنا أول المسلمين) دلاله على أنه صلى الله عليه وآله وسلم أول الناس من حيث درجه الاسلام ومنزله فإن قبله زمانا غيره من المسلمين، وقد حكى الله سبحانه ذلك عن نوح إذ قاو: وأمرت أن أكون من المسلمين) (يونس: 72) وعن إبراهيم في قوله: (أسلمت لرب العالمين) (البقرة: 131) وعنه وعن أبنه إسماعيل في قولهما: (ربنا واجعلنا