لا مطلقا فإن الآية في مقام بيان أن من كان في وسعه أن يؤمن بالله فلم يؤمن أو في وسعه أن يؤمن ويعمل صالحا فآمن ولم يعمل صالحا حتى لحقه البأس الإلهي الشديد الذي يضطره إلى ذلك فإنه لا ينتفع بإيمانه، وإما من آمن طوعا فأدركه الموت ولم يمهله الاجل حتى يعمل صالحا ويكسب في إيمانه خيرا فإن الآية غير متعرضة لبيان حاله بل الآية لا تخلو عن إشعار أو دلالة على أن النافع إنما هو الايمان إذا كان عن طوع ولم يحط به الخطيئة ولم تفسده السيئة.
وفي قوله: (لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت) الفصل بين الموصوف والوصف بفاعل الفعل وهو إيمانها وكأنه للاحتراز عن الفصل الطويل بين الفعل وفاعله، واجتماع (في إيمانها) وإيمانها) في اللفظ.
قوله تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ) الخ، وجه الكلام السابق، وإن كان مع المشركين وقد ابتلوا بتفريق الدين الحنيف، وكان أيضا لأهل الكتاب نصيب من الكلام وربما لوح إليهم بعض التلويح ولازم ذلك أن ينطبق قوله:
(الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) على المشركين بل عليهم وعلى اليهود والنصارى لاشتراك الجميع في التفرق والاختلاف في الدين الإلهي.
لكن اتصال الكلام بالآيات المبينة للشرائع العامة الإلهية التي تبتدئ بالنهي عن الشرك وتنتهى إلى النهى عن التفرق عن سبيل الله يستدعى أن يكون قوله: (الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) موضوعا لبيان حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع من كان هذا وصفه فالاتيان بصيغة الماضي في قوله: (فرقوا دينهم) لبيان أصل التحقق سواء كان في الماضي أو الحال أو المستقبل لا تحقق الفعل في الزمان الماضي فحسب.
ومن المعلوم أن تمييز النبي صلى الله على وآله وسلم وإخراجه من أولئك المختلفين في الدين المتفرقين شيعة شيعة كل شيعة يتبع إماما يقودهم ليس إلا لأنه رسول يدعو إلى كلمة الحق ودين التوحيد، ومثال كامل يمثل بوجوده الاسلام ويدعو بعمله إليه فيعود معنى قوله: (لست منهم في شئ) إلى أنهم ليسوا على دينك الذي تدعو إليه، ولا على مستوى طريقك الذي تسلكه.
فمعنى الآية أن الذين فرقوا دينهم بالاختلافات التي هي لا محالة ناشئة عن العلم