(بيان) اتصال الآيات بما قبلها واضح لا غبار عليه، والكلام مسرود في التوحيد.
قوله تعالى: (اتبع ما أوحى إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين) أمر باتباع ما أوحى إليه من ربه من أمر التوحيد وأصول شرائع الذين من غير أن يصده ما يشاهده من استكبار المشركين عن الخضوع لكلمة الحق والاعراض عن دعوة الدين.
وفي قوله: (من ربك) المشعر بمزيد الاختصاص تلويح إلى شمول العناية الخاصة الإلهية إلا أن قوله: (من ربك) لما كان ملحوقا بقوله: (وأعرض عن المشركين) وكان ذلك ربما يوهم أن المراد: اتبع الوحي اعبد ربك، وأعرض عنهم يعبدوا أربابهم، ولا يخلو ذلك عن إمضاء لطريقتهم وشركهم قدم على قوله: (وأعرض) الخ، قوله: لا إله إلا هو) ليندفع به هذا الوهم، ويجلو معنى قوله: (وأعرض) الخ، ويأخذ موضعه.
فالمعنى: اتبع ما أوحى إليك من ربك الذي له العناية البالغة بك والرحمة المشتملة عليك إذ خصك بوحيه وأيدك بروح الاتباع، وأعرض عن هؤلاء المشركين لا بأن تدعهم وما يعبدون وتسكت راضيا بما يشركون فيكون ذلك إمضاء للوثنية فإنما الإله واحد وهو ربك الذي يوحى إليك لا إله إلا هو بل أن تعرض عنهم فلا تجهد نفسك في حملهم على التوحيد ولا تتحمل شقا فوق طاقتك فإنما عليك البلاغ ولست عليهم بحفيظ ولا وكيل، وإنما الحفيظ الوكيل هو الله ولم يشأ لهم التوحيد ولو شاء ما أشركوا لكنه تركهم وضلالهم لانهم أعرضوا عن الحق واستنكفوا عن الخضوع له.
قوله تعالى: (ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل تطييب لقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يجد لشركهم ولا يحزن لخيبة المسعى في دعوتهم فإنهم غير معجزين لله فيما أشركوا فإنما المشية لله لو شاء ما أشركوا بل تلبسوا بالايمان عن طوع ورغبة كما تلبس من وفق للايمان، وذلك أنهم استكبروا في الأرض واستعلوا على الله ومكروا به وقد أهلكوا بذلك أنفسهم فرد الله مكرهم إليهم وحرمهم التوفيق للايمان والاهتداء إذ كما أن السنة الجارية في التكوين هي سنة الأسباب وقانون العلية والمعلولية العام، والمشية الإلهية إنما تتعلق بالأشياء وتقع على الحوادث على وفقها فما تمت فيه العلل