للعلل الكونية دونه تعالى، وهذا هو السر في إصرار هؤلاء على أن المعجزات وخوارق العادات ونحوهما إنما تتحقق بالإرادة الإلهية وحدها ونقض قانون العلية العام، فلا محالة يتم الامر بنقض السببية الكونية وإبطال قانون العلية ويبطل بذلك أصل قولهم: إن الأشياء مفتقرة إليه تعالى في حدوثها غنية عنه في بقائها.
فهؤلاء القوم لا يسعهم إلا أن يلتزموا أحد أمرين إما القول بأن العالم على سعته ونظامه الجاري فيه مستقل عن الله سبحانه غير مفتقر إليه أصلا ولا تأثير له تعالى في شئ من أجزائه ولا التحولات الواقعة فيه إلا ما كان من حاجته إليه في أول حدوثه وقد أحدثه فارتفعت الحاجة وانقطعت الخلة.
أو القول بأن الله هو الخالق لكل ما يقع عليه اسم شئ والمفيض له الوجود حال الحدوث وفي حال البقاء، ولا غنى عنه تعالى لذات ولا فعل طرفة عين.
وقد عرفت أن البحث القرآني يدفع أول القولين لتعاضد الآيات على بسط الخلقة والسلطة الغيبية على ظاهر الأشياء وباطنها وأولها وآخرها وذواتها وأفعالها حال حدوثها وحال بقائها جميعا فالمتعين هو الثاني من القولين والبحث العقلي الدقيق يؤيد بحسب النتيجة ما هو المتحصل من الآيات الكريمة.
فقد ظهر من جميع ما تقدم: أن ما يظهر من قوله: (الله خالق كل شئ) على ظاهر عمومه من غير أن يتخصص بمخصص عقلي أو شرعي.
قوله تعالى: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها) الخ قال في المجمع: البصيرة البينة والدلالة التي يبصر بها الشئ على ما هو به والبصائر جمعها انتهى. وقيل البصيرة للقلب كالبصر للعين، والأصل في الباب على أي حال هو الادراك بحاسة البصر الذي يعد أقوى الادراكات، ونيلا من خارج الشئ المشهود، والابصار والعمى في الآية هو العلم والجهل أو الايمان والكفر توسعا.
وكأنه تعالى يشير بقوله: (قد جاءكم بصائر من ربكم) إلى ما ذكره في الآيات السابقة من الحجج الباهرة على وحدانيته وانتفاء الشريك عنه، والمعنى أن هذه الحجج بصائر قد جاءتكم من جانب الله بالوحي إلى، والخطاب من قبل النبي صلى الله عليه وآله ثم ذكر للمخاطبين وهم المشركون أنهم على خيرة من أمر أنفسهم إن شاءوا أبصروا بها وإن شاءوا