تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٧ - الصفحة ٢٩٥
وفي هذه الآيات نوع آخر من البيان أخذت فيه الأشياء منسوبة إلى الخلقة وأعمالها وأنواع آثارها وحركاتها وسكناتها منسوبة إلى التقدير والهداية الإلهية فإلى تقديره تعالى تنتهى خصوصيات أعمال الأشياء وآثارها كالانسان يخطو ويمشى في انتقاله المكاني والحوت يسبح والطير يطير بجناحيه قال تعالى: (فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشى على رجلين ومنهم من يمشى على أربع يخلق الله ما يشاء) (النور: 45) والآيات في هذا المعنى كثيرة، فخصوصيات أعمال الأشياء وحدودها وأقدارها تنتهى إليه تعالى، وكذلك الغايات التي تقصدها الأشياء على اختلافها، وتشتتها وتفننها إنما تتعين لها وتروم نحوها بالهداية الإلهية التي تصحبها منذ أول وجودها إلى آخره، وينتهى ذلك إلى تقدير العزيز العليم.
فالاشياء في جواهرها وذواتها تستند إلى الخلقة الإلهية وحدود وجودها وتحولاتها وغاياتها وأهدافها في مسير وجودها وحياتها كل ذلك ينتهى إلى التقدير المنتهى إلى خصوصيات الخلقة الإلهية وهناك آيات أخرى كثيرة ناطقة بأن إجزاء الكون متصل بعضه ببعض متلائم بعض منه مع بعض متوحدة في الوجود يحكم فيها نظام واحد لا مدبر له إلا الله سبحانه، وهو الذي ربما سمى ببرهان اتصال التدبير.
فهذا ما ينتجه التدبر في كلامه تعالى غير أن هناك جهات أخرى ينبغي للباحث المتدبر أن لا يغفل عنها وهى ثلاث:
إحداها: أن من الأشياء ما لا يرتاب في قبحه وشناعته كأنواع الظلم والفجور التي ينقبض العقل من نسبتها إلى ساحة القدس والكبرياء والقرآن الكريم أيضا ينزهه تعالى عن كل ظلم وسوء في آيات كثيرة كقوله: (وما ربك بظلام للعبيد) (حم السجدة: 46) وقوله: (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء) (الأعراف: 28) وغير ذلك، وهذا ينافي عموم الخلقة لكل شئ فمن الواجب أن تخصص الآية بهذا المخصص العقلي والشرعي.
وينتج ذلك أن الافعال الانسانية مخلوقة للانسان وما وراءه من الأشياء ذواتها وآثارها مخلوقة لله سبحانه.
على أن كون الافعال الانسانية مخلوقة له تعالى يبطل كونها عن اختيار الانسان، ويبطل بذلك نظام الأمر والنهي والطاعة والمعصية والثواب والعقاب وإرسال الرسل
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الأنعام 5
2 (37 - 55) كلام في المجتمعات الحيوانية. (بحث قرآني) 73
3 (56 - 73) كلام في معنى الحكم وأنه لله وحده (بحث قرآني) 115
4 (56 - 73) كلام في معنى حقيقة فعله وحكمه تعالى (بحث قرآني) 119
5 (76 - 83) قصة إبراهيم عليه السلام وشخصيته في أبحاث. 215
6 (76 - 83) 1 - قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن. (بحث قرآني) 215
7 (76 - 83) 2 - منزلته عند الله تبارك وتعالى وموقفه العبودي. (بحث قرآني) 215
8 (76 - 83) 3 - أثره المبارك في المجتمع البشري (بحث علمي) 218
9 (76 - 83) 4 - ما تقصه التوراة فيه. (بحث تاريخي) 219
10 (76 - 83) 5 - تطبيق ما في التوراة من قصته من ما في القرآن. (بحث علمي) 225
11 (76 - 83) 6 - الجواب عما استشكل على القرآن على أمره (بحث علمي) 234
12 (84 - 90) كلام في معنى الكتاب في القرآن. (بحث قرآني) 252
13 (84 - 90) كلام في معنى الحكم في القرآن. (بحث قرآني) 254
14 (84 - 90) في أن الاسلام بعد أولاد البنات أولادا وذرية. (بحث قرآني وروائي) 261
15 (84 - 90) كلام في معنى البركة في القرآن. (بحث قرآني) 280
16 (91 - 105) كلام في عموم الخلقة وانبساطها على كل شئ (بحث قرآني) 292
17 (122 - 127) كلام في معنى الهداية الإلهية. (بحث قرآني) 346