بأفعالها مؤثرة متأثرة في غيرها ومن غيرها وبذلك تلتئم أجزاء النظام الموجود الذي لكل جزء منها ارتباط تام بكل جزء، وهذا هو قانون العلية العام في الأشياء، وهو أن كل ما يجوز له في نفسه أن يوجد وأن لا يوجد فهو إنما يوجد عن غيره فالمعلول ممتنع الوجود مع عدم علته، وقد أمضى القرآن الكريم صحة هذا القانون وعمومه، ولو لم يكن صحيحا أو تخلف في بعض الموارد لم يتم الاستدلال به أصلا وقد استدل القرآن به على وجود الصانع ووحدانيته وقدرته وعلمه وسائر صفاته.
وكما أن المعلول من الأشياء يمتنع وجوده مع عدم علته كذلك يجب وجوده مع وجود علته قضاء لحق الرابطة الوجودية التي بينهما. وقد أنفذه الله سبحانه في كلامه في موارد كثيرة استدل فيها من طريق ما له من الصفات العليا على ثبوت آثارها ومعاليلها كقوله: وهو الواحد القهار وقوله: إن الله عزيز ذو انتقام، إن الله عزيز حكيم، إن الله غفور رحيم وغير ذلك، واستدل أيضا على كثير من الحوادث والأمور بثبوت أشياء أخرى يستعقب ثبوتها بعدها كقوله: (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل) (يونس: 74) وغير ذلك مما ذكر من أمر المؤمنين والكافرين والمنافقين ولو جاز أن يتخلف أثر من مؤثره إذا اجتمعت الشرائط اللازمة وارتفعت الموانع المنافية لم يصح شئ من هذه الحجج والأدلة البتة.
فالقرآن يسلم حكومة قانون العلية العام في الوجود، وأن لكل شئ من الأشياء الموجودة وعوارضها ولكل حادث من الحوادث الكائنة عله أو مجموع علل بها يجب وجوده وبدونها يمتنع وجوده هذا مما لا ريب فيه في بادئ التدبر.
ثم إنا نجد أن الله سبحانه في كلامه يعمم خلقه على كل ما يصدق عليه شئ من أجزاء الكون قال تعالى: (قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار) (الرعد: 16) إلى غير ذلك من الآيات المنقولة آنفا، وهذا ببسط عليته وفاعليته تعالى لكل شئ مع جريان العلية والمعلولية الكونية بينها جميعا كما تقدم بيانه.
وقال تعالى: (الذي له ملك السماوات والأرض - إلى أن قال - وخلق كل شئ فقدره تقديرا) (الفرقان: 2) وقال: (الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) (طه: 50) وقال: (الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى) (الاعلى: 3) إلى غير ذلك من الآيات.