علتين مستقلتين على معلول واحد ولا يبقى لتأثيره تعالى إلا حدوث الأشياء وبدء وجودها ولذا تراهم يرومون إثبات الصانع من جهة حدوث الأشياء كحدوث الانسان بعد ما لم يكن وحدوث الأرض بعد ما لم تكن وحدوث العالم بعد ما لم يكن.
ويضيفون إلى ذلك وجود أمور أو حدوث حوادث مجهولة العلل للانسان كالروح وكالحياة في الانسان والحيوان والنبات فإن الانسان لم يظفر بعلل وجودها بعد، والبسطاء منهم يضيفون إلى ذلك أمثال السحب والثلوج والأمطار وذوات الأذناب والزلازل والقحط والغلاء والأمراض العامة ونحو ذلك مما لا يظهر عللها الطبيعية للأفهام العامية ثم كلما لاح لهم في شئ منها علته الطبيعية انهزموا منه إلى غيره وبدلوا موقفا بآخر أو سلموا للخصم.
وهذا بحسب اللسان العلمي هو أن الوجود الممكن إنما يحتاج إلى الواجب في حدوثه لا في بقائه، وهو الذي يصر عليه جم غفير من أهل الكلام حتى صرح بعضهم: إنه لو جاز العدم على الواجب لم يضر عدمه وجود العالم تعالى الله وتقدس، وهذا - فيما نحسب - رأى إسرائيلي تسرب في أذهان عدة من الباحثين من المسلمين ومن فروع ذلك قولهم باستحالة البداء والنسخ، والرأي جار سار بين الناس مع ذلك.
وكيف كان هو من أردا الأوهام والاحتجاج القرآني يخالفه فإن الله سبحانه يستدل على وجود الصانع ووحدته بالآيات المشهودة في العالم وهو النظام الجاري في كل نوع من الخليقة وما يجرى عليه في مسير وجوده وأمد حياته من التغير والتحول والفعل والانفعال والمنافع التي يستدرها من ذلك ويوصلها إلى غيره كالشمس والقمر والنجوم وطلوعها وغروبها وما يستجلبه الناس من منافعها والتحولات الفصلية الطارئة على الأرض والبحار والأنهار والفلك التي تجرى فيها والسحب والأمطار وما ينتفع به الانسان من الحيوان والنبات وما يجرى عليه من الأحوال الطبيعية والتغيرات الكونية من نطفية وجنينية وصباوة وشباب وشيب وهرم وغير ذلك.
وجميع ذلك من الجهات الراجعة إلى الأشياء من حيث بقائها وموضوعاتها علل أعراضها وآثارها وكل مجموع منها في حين علة للمجموع الحاصل بعد ذلك الحين، وحوادث اليوم علل حوادث الغد كما أنها معلولة حوادث الأمس.
ولو كانت الأمور من حيث بقائها مستغنية عن الله سبحانه واستقلت بما يكتنف