كما تقدم في الجزء الثالث من الكتاب، وسائر الوثنيين القدماء كانوا يثبتون لله سبحانه بنين وبنات من الالهة على ما يدل عليه الآثار المكتشفة ومشركو العرب كانوا يقولون:
إن الملائكة بنات الله.
قوله تعالى: (بديع السماوات والأرض) إلى آخر الآية. جواب عن قولهم بالبنين والبنات، ومحصله أن لا سبيل لتحقق حقيقة الولد إلا اتخاذ الصاحبة ولم يكن له تعالى صاحبة فأنى يكون له ولد؟.
وأيضا هو تعالى الخالق لكل شئ وفاطره، والولد هو الجزء من الشئ يربيه بنوع من اللقاح وجزء الشئ والمماثل له لا يكون مخلوقا له البتة، ويجمع الجميع أنه تعالى بديع السماوات والأرض الذي لا يماثله شئ من أجزائها بوجه من الوجوه فكيف يكون له صاحبة يتزوج بها أو بنون وبنات يماثلونه في النوع فهذا أمر يخبر به الله الذي لا سبيل للجهل إليه فهو بكل شئ عليم، وقد تقدم في الكلام على قوله تعالى: (وما كان لبشر أن يؤتيه الله) الخ، (آل عمران: 79) في الجزء الثالث من الكتاب ما ينفع في المقام.
قوله تعالى: (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ) إلى آخر الآيتين الجملة الأولى أعني قوله: (ذلكم الله ربكم) نتيجة متخذة من البيان المورد في الآيات السابقة، والمعنى: إذا كان الامر على ما ذكر فالله الذي وصفناه هو ربكم لا غير، وقوله: (لا إله إلا هو) كالتصريح بالتوحيد الضمني الذي تشتمل عليه الجملة السابقة، وهو مع ذلك يفيد معنى التعليل أي هو الرب ليس دونه رب لأنه الله الذي ليس دونه إله وكيف يكون غيره ربا وليس بإله.
وقوله: (خالق كل شئ) تعليل لقوله: (لا إله إلا هو) أي إنما انحصرت الألوهية فيه لأنه خالق كل شئ من غير استثناء فلا خالق غيره لشئ من الأشياء حتى يشاركه في الألوهية، وكل شئ مخلوق له خاضع له بالعبودية فلا يعادله فيها.
وقوله: (فاعبدوه) متفرع كالنتيجة على قوله (ذلكم الله ربكم) أي إذا كان الله سبحانه هو ربكم لا غير فاعبدوه، وقوله: (وهو على كل شئ وكيل) أي هو القائم على كل شئ المدبر لامره الناظم نظام وجوده وحياته وإذا كان كذلك كان من الواجب أن يتقى فلا يتخذ له شريك بغير علم فالجملة كالتأكيد لقوله: (فاعبدوه) أي لا تستنكفوا