بالنظر فيها إلى توحيده، وهى أمور أرضية كفلق الحبة والنواة ونحو ذلك، وأمور سماوية كالليل والصبح والشمس والقمر والنجوم، وأمر راجع إلى الانسان نفسه وهو إنشاء نوعه من نفس واحدة فمستقر ومستودع، وأمور مؤلفة من الجميع كإنزال المطر من السماء وتهيئة الغذاء من نبات وحب وثمر وإنبات ما فيه قوة النمو كالنبات والحيوان والانسان من ذلك.
وقد عد النجوم آية خاصة بقوم يعلمون، وإنشاء النفوس الانسانية آية خاصة بقوم يفقهون، وتدبير نظام الانبات آية لقوم يؤمنون والمناسبة ظاهرة فإن النظر في أمر النظام أمر بسيط لا يفتقر إلى مؤونة زائدة بل يناله الفهم العادي بشرط أن يتنور بنصفه الايمان ولا يتلطخ بقذارة العناد واللجاج، وأما النظر في النجوم والأوضاع السماوية فمما لا يتخطى العلماء بهذا الشأن ممن يعرف النجوم ومواقعها وسائر الأوضاع السماوية إلى حد ما ولا يناله الفهم العام العامي إلا بمؤونة: وأما آية الأنفس فإن الاطلاع عليها وعلى ما عندها من أسرار الخلقة يحتاج مضافا إلى البحث النظري إلى مراقبة باطنية وتعمق شديد وتثبت بالغ وهو الفقه.
قوله تعالى: (وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم) إلى آخر الآية. الجن إما مفعول لجعلوا ومفعوله الاخر شركاء أو بدل من شركاء، وقوله: (وخلقهم) كأنه حال وإن منعه بعض النحاة وحجتهم غير واضحة. وكيف كان فالكلمة في مقام ردهم، والمعنى وجعلوا له شركاء الجن وهو خلقهم والمخلوق لا يجوز أن يشارك خالقه في مقامه.
والمراد بالجن الشياطين كما ينسب إلى المجوس القول: بأهرمن ويزدان. ونظيره ما عليه اليزيدية الذين يقولون بالوهية إبليس (الملك طاوس - شاه بريان) أو الجن المعروف بناء على ما نسب إلى قريش أنهم كانوا يقولون: إن الله قد صاهر الجن فحدث بينهما الملائكة، وهذا أنسب بسياق قوله: (وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم) وعلى هذا فالبنون والبنات هم جميعا من الملائكة خرقوهم أي اختلقوهم ونسبوهم إليه افتراء عليه سبحانه وتعالى عما يشركون.
ولو كان المراد من هو أعم من الملائكة لم يبعد أن يكون المراد بهم ما يوجد في سائر الملل غير الاسلام فالبرهمنية والبوذية يقولون بنظير ما قالته النصارى من بنوه المسيح