وإنزال الكتب وتشريع الشرائع. كذا ذكره جمع من الباحثين.
وقد ذهب على هؤلاء في بحثهم أن يفرقوا بين الأمور الحقيقية التي تنال الوجود والتحقق حقيقة، والأمور الاعتبارية والجهات الوضعية التي لا ثبوت لها في الواقع، وإنما اضطر الانسان إلى تصورها أو التصديق بها حاجة الحياة، وابتغاء سعادة الوجود بالاجتماع والتمدن فخلطوا بين الجهات الوجودية والعدمية في الأشياء، وقد تقدمت نبذة من هذا البحث في الكلام على الجبر والتفويض في الجزء الأول من الكتاب.
والذي يناسب المقام من الكلام أن ظاهر قوله: (الله خالق كل شئ) يعمم الخلقة لكل شئ ثم قوله تعالى: (الذي أحسن كل شئ خلقه) (السجدة: 7) يثبت الحسن لكل ما خلقه الله، ويتحصل من الآيتين أن كل ما يصدق عليه اسم شئ ما خلا الله فهو مخلوق، وأن كل مخلوق فهو متصف بالحسن فالخلق والحسن متلازمان في الوجود فكل شئ فهو من جهة أنه مخلوق لله أي بتمام واقعيته الخارجية حسن فلو عرض لها عارض السوء والقبح كان من جهة النسب والإضافات وأمور أخرى غير جهة واقعيته ووجوده الحقيقي الذي ينسب به إلى الله سبحانه وإلى فاعله المعروض له.
ثم إنا نحصل في كلامه تعالى على موارد كثيرة يذكر فيها السيئة والظلم والذنب وغيرها ذكر تسليم فلنقض بضمها إلى ما تقدم بأن هذه معان وعناوين غير حقيقيه لا يلحق الشئ من جهة انتسابه إلى الله سبحانه وخلقه له، وإنما يلحق الموضوع الذي يقوم الأثر والعمل به من جهة وضع أو نسبة أو إضافة فإن كل معصية وظلم فإن معه من سنخه ما ليس بمعصية وإنما يختلفان من جهة اشتمال أحدهما على مخالفة أمر تشريعي أو عقلي أو اشتماله على فساد في المجتمع أو نقض لغاية دون الاخر مثاله الزنا والنكاح وهما فعلان متماثلان لا يختلفان في حقيقتهما ووجودهما النوعي مثلا وإنما يختلفان بالموافقة والمخالفة للشرع الإلهي أو السنة الاجتماعية أو مصلحة المجتمع، وتلك أمور وضعية وجهات إضافية، والخلقة والايجاد إنما يتعلق بجهة التكوين والخارج، وأما الجهات الإضافية والعناوين الوضيعية التي تلحق الأشياء بحسب انطباقها على المصالح والمفاسد الاجتماعية المستعقبة للمدح والذم أو الثواب والعقاب بحسب ما يشخصها ويحكم بها العقل العملي والشعور الاجتماعي فإنما هي أمور لا تتعدى طور الاجتماع ولا يدخل في دار التكوين أصلا إلا