لاعتصامهم بعصمة إلهية وهم أهل العصمة من الأنبياء الكرام وأوصيائهم عليه السلام.
فالآية خاصة بأهل العصمة وقصارى ما يمكن أن يتوسع به أن يلحق بهم الصالحون من المؤمنين ممن اعتصم بعصمة التقوى والصلاح ومحض الايمان عن الشرك والظلم، وخرج بذلك عن ولاية الشيطان قال تعالى. إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) (النحل: 99) إن صدق عليهم أن الله وكلهم بها واعتمد عليهم فيها.
قوله تعالى: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) إلى آخر الآية. عاد ثانيا إلى تعريفهم بما فيه تعريف الهدى الإلهي فالهدى الإلهي لا يتخلف عن شأنه وأثره وهو الايصال إلى المطلوب قال تعالى: (فإن الله لا يهدى من يضل) (النحل: 37).
وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله:
(فبهداهم اقتده) بالاقتداء - وهو الاتباع - بهداهم لا بهم لان شريعته ناسخة لشرائعهم وكتابه مهيمن على كتبهم، ولان هذا الهدى المذكور في الآيات لا واسطة فيه بينه تعالى وبين من يهديه، وأما نسبة الهدى إليهم في قوله:
(فبهداهم) فمجرد نسبة تشريفية، والدليل عليه قوله: (ذلك هدى الله) الخ.
وقد استدل بعضهم بالآية على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمته كانوا متعبدين بشرائع من قبلهم إلا ما قام الدليل على نسخه، وفيه: أن ذلك إنما يتم لو كان قيل: فبهم اقتده، وأما قوله (فبهداهم اقتده) فهو بمعزل عن الدلالة على ذلك، كما هو ظاهر.
وختم سبحانه كلامه في وصف التوحيد الفطري والهداية الإلهية إليه بقوله خطابا لنبيه: (قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين) كأنه قيل: اهتد بالهدى الإلهي الذي اهتدى به الأنبياء قبلك، وذكر به العالمين من غير أن تسألهم أجرا على ذلك، وقل لهم ذلك لتطيب به نفوسهم، ويكون أنجح للدعوة وأبعد من التهمة، وقد حكى الله سبحانه هذه الكلمة عن نوح ومن بعده من الأنبياء عليهم السلام في دعواتهم.
والذكرى أبلغ من الذكر كما ذكره الراغب، وفي الآية دليل على عموم نبوته صلى الله عليه وآله وسلم لجميع العالمين.