وهم مشركون) (يوسف: 106) وهذه الآيات إنما تصف التوحيد الفطري المحض والهداية الإلهية الطاهرة النقية الخالية عن شوب الشرك والظلم التي أكرم الله بها خليله إبراهيم ومن قبله وبعده من الأنبياء المكرمين عليهم السلام كما يذكره إبراهيم عليه السلام في قوله على ما يحكيه الله سبحانه عنه: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن وهم مهتدون) (الانعام: 82) والهداية التي هذا شأنها لا يعد كل متلبس بالايمان حافظا لها موكلا بها من الله يحفظها الله به من الضيعة والفساد البتة وفيهم الطغاة والبغاة والفراعنة والمستكبرون والجفاة الظلمة وأهل البدع والمتوغلون في الفجور وأنواع الفحشاء والفسق.
والذي ينبغي أن يقال في معنى الآية أعني قوله: (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) أن الآيات لما كانت تصف التوحيد الفطري والهداية الإلهية الطاهرة من شوب الشرك بالله سبحانه، وتذكر أن الله سبحانه أكرم بهذه الهداية سلسلة متصلة متحدة من أنبيائه واصطفاهم بها ذرية بعضها من بعض واجتباهم وهداهم إلى صراط مستقيم لا ضلال فيه وآتاهم الكتاب والحكم والنبوة.
ثم فرع على ذلك قوله: (فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) وسياقه سياق اعتزاز منه تعالى وتسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب لنفسه لئلا يوهنه الحزن ويفسخ عزيمته في الدعوة الدينية ما يشاهده من كفر قومه واستكبارهم وعمههم في طغيانهم فمعناه أن لا تحزن بما تراه من كفرهم بهذه الهداية الإلهية والطريقة التي تشتمل عليها الكتاب والحكم والنبوة التي آتيناها سلسلة المهديين من الأنبياء الكرام فإنا قد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين فلا سبيل للضيعة والزوال إلى هذه الهداية الإلهية لأنا وكلناهم بها واعتمدنا عليهم فيها وأولئك غير كافرين بها البتة.
فهؤلاء قوم لا يتصور في حقهم كفر ولا يدخل في قلوبهم شرك لان الله وكلهم بها واعتمد عليهم فيها وحفظها بهم ولو جاز عليهم الشرك وأمكن فيهم التخلف كان الاعتماد عليهم فيها خطأ وضلالا والله سبحانه لا يضل ولا ينسى.
فالآية تدل - والله أعلم - على أن لله سبحانه في كل زمان عبدا أو عبادا موكلين بالهداية الإلهية والطريقة المستقيمة التي يتضمنها ما آتاه أنبياءه من الكتاب والحكم والنبوة يحفظ الله بهم دينه عن الزوال وهدايته عن الانقراض، ولا سبيل للشرك والظلم إليهم