في زمن الامامين: الباقر والصادق عليهما السلام وأخذوا بالبحث وتأليف الكتب والرسائل، ولم يزالوا يجدون الجد تحت قهر الحكومات واضطهادها حتى رزقوا بعض الامن في الدولة البويهية (1) ثم أخنقوا ثانيا حتى صفى لهم الامر بظهور الدولة الصفوية في إيران (2)، ثم لم يزالوا على ذلك حتى اليوم.
وكانت سيماء بحثهم في الكلام أشبه بالمعتزلة منها بالأشاعرة، ولذلك ربما اختلط بعض الآراء كالقول بالحسن والقبح ومسألة الترجيح من غير مرجح ومسألة القدر ومسألة التفويض، ولذلك أيضا اشتبه الامر على بعض الناس فعد الطائفتين أعني الشيعة والمعتزلة ذواتي طريقة واحدة في البحث الكلامي، كفرسي رهان، وقد أخطأ، فإن الأصول المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وهى المعتبرة عند القوم لا تلائم مذاق المعتزلة في شئ.
وعلى الجملة فن الكلام فن شريف يذب عن المعارف الحقة الدينية غير أن المتكلمين من المسلمين أساؤا في طريق البحث فلم يميزوا بين الاحكام العقلية واختلط عندهم الحق بالمقبول على ما سيجئ إيضاحه بعض الايضاح. وفي هذه البرهة من الزمن نقلت علوم الأوائل من المنطق والرياضيات والطبيعيات والإلهيات والطب والحكمة العملية إلى العربية، نقل شطر منها في عهد الأمويين ثم أكمل في أوائل عهد العباسيين، فقد ترجموا مئات من الكتب من اليونانية والرومية والهندية والفارسية والسريانية إلى العربية، وأقبل الناس يتدارسون مختلف العلوم ولم يلبثوا كثيرا حتى استقلوا بالنظر، وصنفوا فيها كتبا ورسائل، وكان ذلك يغيظ علماء الوقت، ولا سيما ما كانوا يشاهدونه من تظاهر الملاحدة من الدهرية والطبيعية والمانوية وغيرهم على المسائل المسلمة في الدين، وما كان عليه المتفلسفون من المسلمين من الوقعية في الدين وأهله، وتلقى أصول الاسلام ومعالم الشرع الطاهرة بالإهانة والازراء (ولا داء كالجهل).
ومن أشد ما كان يغيظهم ما كانوا يسمعونه منهم من القول في المسائل المبتنية على أصول موضوعة مأخوذة من الهيئة والطبيعيات كوضع الأفلاك البطليموسية، وكونها