الكفار وأمضى بعض ما يتقولونه كفر، فلا يزال يؤمن زمانا ويكفر زمانا حتى إذا استحكم فيه هذه السجية كان ذلك منه ازديادا في الكفر، والله أعلم.
وإذ كان مبتلى باختلاف الحال وعدم استقراره فلا توبة له لأنه غير ثابت على حال الندامة لو ندم على ما فعله، الا ان يتوب ويستقر على توبته استقرارا لا يزلزله اختلاف الأحوال، ولا تحركه عواصف الأهواء، ولذا قيد الله سبحانه التوبة المقبولة من مثل هذا المنافق بقيود لا تبقى مجالا للتغير والتحول فقال في الاستثناء الآتي: " الا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله " (الآية).
قوله تعالى: " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون " (الخ) تهديد للمنافقين، وقد وصفهم بموالاة الكافرين دون المؤمنين، وهذا وصف أعم مصداقا من المنافقين الذين لم يؤمن قلوبهم، وانما يتظاهرون بالايمان فإن طائفة من المؤمنين لا يزالون مبتلين بموالاة الكفار، والانقطاع عن جماعة المؤمنين، والاتصال بهم باطنا واتخاذ الوليجة منهم حتى في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا يؤيد بعض التأييد ان يكون المراد بهؤلاء المنافقين طائفة من المؤمنين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ويؤيده ظاهر قوله في الآية اللاحقة " وقد نزل عليكم في الكتاب ان إذا سمعتم إلى قوله - انكم إذا مثلهم " فإن ذلك تقرير لتهديد المنافقين، والخطاب فيه للمؤمنين، ويؤيده أيضا ما سيصف تعالى حالهم في نفاقهم بقوله " ولا يذكرون الله الا قليلا " فأثبت لهم شيئا من ذكر الله تعالى، وهو بعيد الانطباق على المنافقين الذين لم يؤمنوا بقلوبهم قط.
قوله تعالى: " أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا " استفهام انكاري ثم جواب بما يقرر الانكار فإن العزة من فروع الملك، والملك لله وحده، قال تعالى: " قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء " (آل عمران - 26).
قوله تعالى: " وقد نزل عليكم في الكتاب ان إذا سمعتم - إلى قوله - مثلهم " يريد ما نزله في سورة الأنعام: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين "