وتكفر بمحمد صلى الله عليهم أجمعين، وهؤلاء على زعمهم لا يكفرون بالله وببعض رسله، وإنما يكفرون ببعض الرسل، وقد أطلق الله عليهم أنهم كافرون بالله ورسله جميعا، ولذلك احتيج إلى بيان المراد من إطلاق قوله " إن الذين يكفرون بالله ورسله ".
ولذلك عطف على قوله " إن الذين يكفرون "، قوله و " يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض " بعطف التفسير ونفس المعطوف أيضا بعضه يفسر بعضه، فهم كافرون بالله ورسله لانهم بقولهم: " نؤمن ببعض ونكفر ببعض " يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله فيؤمنون بالله وبعض رسله، ويكفروا ببعض رسله مع كونه رسولا من الله، والرد عليه رد على الله تعالى.
ثم بين ذلك ببيان آخر بالعطف عليه عطف التفسير فقال: " ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا " أي سبيلا متوسطا بين الايمان بالله ورسله جميعا والكفر بالله ورسله جميعا، وهو الايمان ببعض والكفر ببعض، ولا سبيل إلى الله إلا الايمان به وبرسله جميعا فإن الرسول بما أنه رسول ليس له من نفسه شئ ولا له من الامر شئ، فالايمان به إيمان بالله والكفر به كفر بالله محضا.
فالكفر بالبعض والايمان بالبعض وبالله ليس إلا تفرقة بين الله وبين رسله، وإعطاء الاستقلال للرسول فيكون الايمان به غير مرتبط بالايمان بالله، والكفر به غير مرتبط بالكفر به فيكون طرفا لا وسطا، وكيف يصح فرض الرسالة ممن لا يرتبط الايمان به والكفر به بالايمان بالله والكفر به؟.
فمن البين الذي لا مرية فيه أن الايمان بمن هذا شأنه والخضوع له شرك بالله العظيم، ولذلك ترى أنه تعالى بعد وصفهم بأنهم يريدون بالايمان ببعض الرسل والكفر بالبعض أن يفرقوا بين الله ورسله ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا ذكر أنهم كافرون بذلك حقا فقال: " أولئك هم الكافرون حقا " ثم أوعدهم فقال: " وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ".
قوله تعالى: " والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم " لما كفر أولئك المفرقين بين الله ورسله، وذكر أنهم كافرون بالله ورسله ذكر من يقابلهم بالايمان بالله ورسله على سبيل عدم التفرقة تتميما للأقسام.
وفي الآيات التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير في قوله " وأعتدنا للكافرين عذابا