والآية - كما ترى - تنهى المؤمنين عن الاتصال بولاية الكفار وترك ولاية المؤمنين، ثم الآية الثانية تعلل ذلك بالوعيد الشديد المتوجه إلى المنافقين، وليس الا ان الله سبحانه يعد هذا الصنيع نفاقا يحذر المؤمنين من الوقوع فيه.
والسياق يدل على أن قوله " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا " كالنتيجة المستنتجة مما تقدم أو الفرع المتفرع عليه، وهذا كالصريح في أن الآيات السابقة انما تتعرض لحال مرضى القلوب وضعفاء الايمان من المؤمنين ويسميهم المنافقين، ولا أقل من شمولها لهم، ثم يعظ المؤمنين ان لا يقربوا هذا الحمى ولا يتعرضوا لسخط الله، ولا يجعلوا الله تعالى على أنفسهم حجة واضحة فيضلهم ويخدعهم ويذبذبهم في الحياة الدنيا، ثم يجمع بينهم وبين الكافرين في جهنم، جميعا ثم يسكنهم في أسفل درك من النار، ويقطع بينهم وبين كل نصير ينصرهم، وشفيع يشفع لهم.
ويظهر من الآيتين اولا: ان الاضلال والخدعة وكل سخط الهى من هذا القبيل إنما عن حجة واضحة تعطيها أعمال العباد، فهى إخزاء على طريق المقابلة والمجازاة، وحاشا الجناب الإلهي أن يبدءهم بالشر والشقوة من غير تقدم ما يوجب ذلك من قبلهم، فقوله " أتريدون ان تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا "؟ يجرى مجرى قوله " وما يضل به إلا الفاسقين " (البقرة - 26).
وثانيا: أن في النار لأهلها مراتب تختلف في السفالة، ولا محالة يشتد بحسبها عذابهم يسميها الله تعالى بالدركات.
قوله تعالى: " إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله " استثناء من الوعيد الذي ذكر في المنافقين بقوله: " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار " (الآية) ولازم ذلك خروجهم من جماعة المنافقين، ولحوقهم بصف المؤمنين، ولذلك ذيل الاستثناء بذكر كونهم مع المؤمنين، وذكر ثواب المؤمنين جميعا فقال تعالى: " فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتى الله المؤمنين أجرا عظيما.
وقد وصف الله هؤلاء الذين استثناهم من المنافقين بأوصاف عديدة ثقيلة، وليست تنبت أصول النفاق وأعراقه إلا بها فذكر التوبة وهى الرجوع إلى الله تعالى، ولا ينفع الرجوع والتوب وحده حتى يصلحوا كل ما فسد منهم من نفس وعمل، ولا ينفع الاصلاح