هذا ما يقتضيه سياق الآية لو أخذت وحدها كما تقدم، لكن الآيات جميعا لا تخلو عن ظهور ما أو دلالة على كونها ذات سياق واحد متصلا بعضها ببعض، وعلى هذا التقدير يكون قوله " إن الذين آمنوا ثم كفروا " في مقام التعليل لقوله " ومن يكفر بالله - إلى قوله - فقد ضل ضلالا بعيدا " ويكون الآيتان ذواتي مصداق واحد أي إن من يكفر بالله وملائكته وكتبه رسله واليوم الآخر هو الذي آمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر ثم ازداد كفرا، ويكون أيضا هو من المنافقين الذين تعرض تعالى لهم في قوله بعد " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما " إلى آخر الآيات.
وعلى هذا يختلف المعنى المراد بقوله " إن الذين آمنوا ثم كفروا " (إلى آخر الآيات) بحسب ما فسر به قوله " يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله " على ما تقدم من تفاسيره المختلفة: فإن فسر بأن آمنوا بالله ورسوله في الباطن كما آمنتم به في الظاهر كان معنى الايمان ثم الكفر ثم الايمان ثم الكفر ما يبتلى به المنافقون من اختلاف الحال دائما إذا لقوا المؤمنين وإذا لقوا الكفار.
وان فسر بأن أثبتوا على الايمان الذي تلبستم به كان المراد من الايمان ثم الكفر وهكذا هو الردة بعد الردة المعروفة.
وان فسر بأن المراد دعوة أهل الكتاب إلى الايمان بالله ورسوله كان المراد بالايمان ثم الكفر وهكذا الايمان بموسى ثم الكفر به بعبادة العجل ثم الايمان بعزير أو بعيسى ثم الكفر به ثم الازدياد فيه بالكفر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به من عند ربه، كما قيل.
وان فسر بأن ابسطوا اجمال ايمانكم على تفاصيل الحقائق كما استظهرناه كان قوله " ان الذين آمنوا ثم كفروا "، تعليلا منطبقا على حال المنافقين المذكورين فيما بعد، المفسرين بقوله " الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " فإن من اتصل بالكفار منفصلا عن مجتمع المؤمنين لا يخلو عن الحضور في محاضرهم والاستيناس بهم، والشركة في محاوراتهم، والتصديق لبعض ما يتذاكرونه من الكلام الذي لا يرتضيه الله سبحانه، وينسبونه إلى الدين وأوليائه من المطاعن والمساوي ويستهزؤون ويسخرون به.
فهو كلما لقى المؤمنين واشترك معهم في شئ من شعائر الدين آمن به، وكلما لقى