وقوله " وهو خادعهم " في موضع الحال أي يخادعون الله في حال هو يخدعهم ويؤول المعنى إلى أن هؤلاء يريدون بأعمالهم الصادرة عن النفاق من إظهار الايمان، والاقتراب من المؤمنين، والحضور في محاضرهم ومشاهدهم أن يخادعوا الله أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين فيستدروا منهم بظاهر ايمانهم وأعمالهم من غير حقيقة ولا يدرون أن هذا الذي خلى بينهم وبين هذه الأعمال ولم يمنعهم منها هو الله سبحانه، وهو خدعة منه لهم ومجازاة لهم بسوء نياتهم وخباثة أعمالهم، فخدعتهم له بعينها خدعته لهم.
قوله تعالى: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " هذا وصف آخر من أوصافهم وهو القيام إلى الصلاة إذا قاموا إليها - كسالى يراؤون الناس، والصلاة أفضل عبادة يذكر فيها الله، ولو كانت قلوبهم متعلقة بربهم مؤمنة به لم يأخذهم الكسل والتواني في التوجه إليه وذكره، ولم يعملوا عملهم لمراءاة الناس، ولذكروا الله تعالى كثيرا على ما هو شأن تعلق القلب واشتغال البال.
قوله تعالى: " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " قال في المجمع:
يقال: ذبذبته فذبذب أي حركته فتحرك فهر كتحريك شئ معلق (انتهى). فكون الشئ مذبذبا ان يتردد بين جانبين من غير تعلق بشئ منهما، وهذا نعت المنافقين، يتذبذبون بين ذلك - أي الذي ذكر من الايمان والكفر - لا إلى هؤلاء أي لا إلى المؤمنين فقط كالمؤمنين بالحقيقة، ولا إلى الكفار فقط كالكافرين محضا.
وقوله " ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا " في مقام التعليل لما سبقه من حديث الذبذبة، فسبب ترددهم بين الجانبين من غير تعلق بأحدهما ان الله أضلهم عن السبيل فلا سبيل لهم يردونه.
ولهذه العلة بعينها قيل: " مذبذبين بين ذلك " ولم يقل: متذبذبين أي القهر الإلهي هو الذي يجر لهم هذا النوع من التحريك الذي لا ينتهى إلى غاية ثابتة مطمئنة.
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء " (إلى آخر الآيتين) السلطان هو الحجة. والدرك بفتحتين - وقد يسكن الراء - قال الراغب: الدرك كالدرج لكن الدرج يقال اعتبارا بالصعود، والدرك اعتبارا بالحدور، ولهذا قيل: درجات الجنة ودركات النار، ولتصور الحدور في النار سميت هاوية (انتهى).