واحد بمعنى ان الكفر بالمجموع من حيث إنه مجموع ضلال بعيد دون الكفر بالبعض دون البعض. على أن الآيات القرآنية ناطقة بكفر من كفر بكل واحد مما ذكر في الآية على وجه التفصيل.
قوله تعالى: " ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا اثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا " الآية لو اخذت وحدها منقطعة عما قبلها وما بعدها كانت دالة على ما يجازى به الله تعالى أهل الردة إذا تكررت منهم الردة بأن آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا فالله سبحانه يوعدهم - وحالهم هذا الحال - بأنه لا يغفر لهم ولا يهديهم سبيلا، وليس من المرجو منه المتوقع من رحمته ذلك لعدم استقرارهم على ايمان، وجعلهم أمر الله ملعبة يلعبون بها، ومن كان هذا حاله لم يثبت بالطبع على ايمان جدي يقبل منه، وان كانوا لو آمنوا ايمانا جديا شملتهم المغفرة والهداية فإن التوبة بالايمان بالله حقيقة مما لا يرده الله في حال على ما وعد الله تعالى عباده، وقد تقدم الكلام فيه في قوله تعالى " انما التوبة على الله الآية (النساء - 17) في الجزء الرابع من هذا الكتاب.
فالآية تحكم بحرمانهم على ما يجرى عليه الطبع والعادة، ولا تأبى الاستثناء لو اتفق إيمان واستقامة عليه من هذه الطائفة نادرا كما يستفاد من نظير الآية، قال تعالى:
" كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا ان الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدى القوم الظالمين - إلى أن قال إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم إن الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون " (آل عمران - 90).
والآيات - كما ترى - تستثنى ممن كفر بعد ايمانه، وقوبل بنفي المغفرة والهداية وهى مع ذلك تنفى قبول توبة من ازداد كفرا بعد الايمان، صدر الآيات فيمن كفر بعد الايمان والشهادة بحقية الرسول وظهور الآيات البينات، فهو ردة عنادا ولجاجا، والازدياد فيه لا يكون إلا مع استقرار العناد والعتو في قلوبهم، وتمكن الطغيان والاستكبار في نفوسهم، ولا يتحقق الرجوع والتوبة ممن هذا حاله عادة.