أنفسكم أو والديكم أو أقربائكم فلا يحملنكم حب منافع أنفسكم أو حب الوالدين والأقربين أن تحرفوها أو تتركوها، فالمراد بكون الشهادة على النفس أو على الوالدين والأقربين أن يكون ما تحمله من الشهادة لو أدى مضرا بحاله أو بحال والديه وأقربيه سواء كان المتضرر هو المشهود عليه بلا واسطه كما إذا تخاصم أبوه وإنسان آخر فشهد له على أبيه أو يكون التضرر مع الواسطة كما إذا تخاصم اثنان وكان الشاهد متحملا لأحدهما ما لو أداه لتضرر به نفس الشاهد أيضا - كالمتخاصم الاخر -.
قوله تعالى: " إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما " إرجاع ضمير التثنية إلى الغنى والفقير مع وجود " أو " الترديدية لكون المراد بالغنى والفقير هو المفروض المجهول الذي يتكرر بحسب وقوع الوقائع وتكررها فيكون غنيا في واقعة، وفقيرا في أخرى، فالترديد بحسب فرض البيان وما في الخارج تعدد، كذا ذكره بعضهم، فالمعنى أن الله أولى بالغنى في غناه، وبالفقير في فقره: والمراد - والله أعلم -: لا يحملنكم غنى الغنى أن تميلوا عن الحق إليه، ولا فقر الفقير أن تراعوا حاله بالعدول عن الحق بل أقيموا الشهادة لله سبحانه ثم خلوا بينه وبين الغنى والفقير فهو أولى بهما وأرحم بحالهما، ومن رحمته أن جعل الحق هو المتبع واجب الاتباع، والقسط هو المندوب إلى إقامته، وفي قيام القسط وظهور الحق سعادة النوع التي يقوم بها صلب الغنى، ويصلح بها حال الفقير.
والواحد منهما وإن انتفع بشهادة محرفة أو متروكة في شخص واقعة أو وقائع لكن ذلك لا يلبث دون أن يضعف الحق ويميت العدل، وفي ذلك قوة الباطل وحياة الجور والظلم، وفي ذلك الداء العضال وهلاك الانسانية.
قوله تعالى: " ولا تتبعوا الهوى أن تعدلوا "، أي مخافة أن تعدلوا عن الحق والقسط باتباع الهوى وترك الشهادة لله فقوله " أن تعدلوا " مفعول لأجله ويمكن أن يكون مجرورا بتقدير اللام متعلقا بالاتباع أي لان تعدلوا.
قوله تعالى: " وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا " اللي بالشهادة كناية عن تحريفها من لي اللسان. والاعراض ترك الشهادة من رأس.
وقرئ " وإن تلوا " بضم اللام وإسكان الواو من ولى يلي ولاية، والمعنى: وأن وليتم أمر الشهادة وأتيتم بها أو أعرضتم فإن الله خبير بأعمالكم يجازيكم بها.