أن القرآن سلك هذا المسلك في هذه الكلمة في غير هذا المورد الذي يدعيانه مع أن بني إسرائيل مذكور فيه فيما يقرب من أربعين موضعا ومن جملتها نفس هذه الآية كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه فما هو الفرق على قولهما بين الموضعين في الآية حيث عبر عنهم أولا ببني إسرائيل ثم أردف ذلك بقوله إسرائيل مع أن المقام من أوضح مقامات الالتباس وناهيك في ذلك أن الجم الغفير من المفسرين فهموا منه أن المراد به يعقوب لا بنوه.
ومن أحسن الشواهد على أن المراد به يعقوب قوله تعالى على نفسه بإرجاع ضمير المفرد المذكر إلى إسرائيل ولو كان المراد به بني إسرائيل لكان من اللازم أن يقال على نفسها أو على أنفسهم.
قوله تعالى قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين أي حتى يتبين أن أي الفريقين على الحق أنا أم أنتم وهذا إلقاء جواب منه تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله تعالى فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون ظاهره أنه كلام لله سبحانه يخاطب به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وعلى هذا ففيه تطييب لنفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن أعدائه من اليهود هم الظالمون بعد هذا البيان لافترائهم الكذب على الله وتعريض لليهود والكلام يجري مجري الكناية.
وأما احتمال كون الكلام من تتمة كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يلائمه ظاهر إفراد خطاب الإشارة في قوله من بعد ذلك وعلى هذا أيضا يجري الكلام مجري الكناية والستر على الخصم المغلوب ليقع الكلام موقعه من القبول كما في قوله تعالى وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين: سبأ - 24 والمشار إليه بذلك هو البيان والحجة. وإنما قال من بعد ذلك مع أن المفتري ظالم على أي حال لان الظلم لا يتحقق قبل التبين كما قيل والقصر في قوله فأولئك هم الظالمون قصر قلب على أي حال.
قوله تعالى قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا الخ أي فإذا كان الحق معي فيما أخبرتكم به ودعوتكم إليه فاتبعوا ديني واعترفوا بحلية لحم الإبل وغيره من الطيبات التي أحلها الله وإنما كان حرمها عليكم عقوبة لاعتدائكم وظلمكم كما أخبر تعالى به.