ويتبين من آية البقرة المذكورة أيضا أن المراد بالبر هو ظاهر معناه اللغوي أعني التوسع في الخير فإنها بينته بمجامع الخيرات الاعتقادية والعملية ومنه يظهر ما في قول بعضهم أن المراد بالبر هو إحسان الله وإنعامه وما في قول آخرين أن المراد به الجنة.
قوله تعالى وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم تطبيب لنفوس المنفقين أن ما ينفقونه من المال المحبوب عندهم لا يذهب مهدورا من غير أجر فإن الله الذي يأمرهم به عليم بإنفاقهم وما ينفقونه.
قوله تعالى كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة الطعام كل ما يطعم ويتغذى به وكان يطلق عند أهل الحجاز على البر خاصة وينصرف إليه عندهم لدى الاطلاق والحل مقابل الحرمة وكأنه مأخوذ من الحل مقابل العقد والعقل فيفيد معنى الاطلاق وإسرائيل هو يعقوب النبي عليه السلام سمي به لأنه كان مجاهدا في الله مظفرا به ويقول أهل الكتاب إن معناه المظفر الغالب على الله سبحانه لأنه صارع الله في موضع يسمى فنيئيل فغلبه على ما في التوراة وهو مما يكذبه القرآن ويحيله العقل.
وقوله إلا ما حرم إسرائيل على نفسه استثناء من الطعام المذكور آنفا وقوله من قبل أن تنزل التوراة متعلق بكان في الجملة الأولى والمعنى لم يحرم الله قبل نزول التوراة شيئا من الطعام على بني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه.
وفي قوله تعالى قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين دلالة على أنهم كانوا ينكرون ذلك أعني حلية كل الطعام عليهم قبل التوراة ويدل عليه أنهم كانوا ينكرون النسخ في الشرائع ويحيلون ذلك كما مر ذكره في ذيل قوله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها الآية: البقرة - 106 فهم كانوا ينكرون بالطبع قوله تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم: النساء - 160.
وكذا يدل قوله تعالى بعد قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا أهم كانوا يجعلون ما ينكرونه من حلية كل الطعام عليهم قبل التوراة وكون التحريم إنما نزل عليهم لظلمهم بنسخ الحل بالحرمة وسيلة إلى إلقاء الشبهة على المسلمين والاعتراض على ما كان يخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه أن دينه هو ملة إبراهيم الحنيف وهي ملة فطرية لا إفراط فيها ولا تفريط كيف وهم كانوا يقولون إن إبراهيم كان