وربما يقال إن الخطاب في الآية موجه إلى بني إسرائيل ولا يزال موجها إليهم ومحصل المعنى بعد ما مر من توبيخهم ولومهم على حب الدنيا وإيثار المال والمنال على دين الله أنكم كاذبون في دعواكم أنكم منسوبون إلى الله سبحانه وأنبيائه وأنكم أهل البر والتقوى فإنكم تحبون كرائم أموالكم وتبخلون في بذلها ولا تنفقون منها إلا الردي الذي لا تتعلق به النفوس مما لا يعبأ بزواله وفقده مع أنه لا ينال البر إلا بإنفاق الانسان ما يحبه من كرائم ماله ولا يفوت الله سبحانه حفظه هذا محصل ما قيل وفيه تمحل ظاهر.
وأما بقية الآيات فارتباطها بالبيانات السابقة ظاهر لا غبار عليه.
قوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون النيل هو الوصول والبر هو التوسع في فعل الخير قال الراغب البر خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر أي التوسع في فعل الخير انتهى.
ومراده من فعل الخير أعم مما هو فعل القلب كالاعتقاد الحق والنية الطاهرة أو فعل الجوارح كالعبادة لله والانفاق في سبيل الله تعالى وقد اشتمل على القسمين جميعا قوله تعالى ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتي الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس الآية: البقرة - 177.
ومن انضمام الآية إلى قوله لن تنالوا البر الآية يتبين أن المراد بها أن إنفاق المال على حبه أحد أركان البر التي لا يتم إلا باجتماعها نعم جعل الانفاق غاية لنيل البر لا يخلو عن العناية والاهتمام بأمر هذا الجزء بخصوصه لما في غريزة الانسان من التعلق القلبي بما جمعه من المال وعده كأنه جزء من نفسه إذا فقده فكأنه فقد جزء من حياة نفسه بخلاف سائر العبادات والأعمال التي لا يظهر معها فوت ولا زوال منه.
ومن هنا يظهر ما في قول بعضهم إن البر هو الانفاق مما تحبون وكأن هذا القائل جعلها من قبيل قول القائل لا تنجو من ألم الجوع حتى تأكل ونحو ذلك لكنه محجوج بما مر من الآية.