على أنه يهدي عالم المسلمين إلى سعادتهم الدنيوية التي هي وحدة الكلمة وائتلاف الأمة وشهادة منافعهم ويهدي عالم غيرهم بإيقاظهم وتنبيههم إلى ثمرات هذه الوحدة وائتلاف القوى المختلفة المتشتتة.
ومن هنا يظهر أولا أنه هدى إلى سعادة الدنيا والآخرة كما أنه هدى بجميع مراتب الهداية فالهداية مطلقة.
وثانيا أنه هدى للعالمين لا لعالم خاص وجماعة مخصوصة كآل إبراهيم أو العرب أو المسلمين وذلك لما فيه من سعة الهداية.
قوله تعالى فيه آيات بينات مقام إبراهيم الآيات وإن وصفت بالبينات وأفاد ذلك تخصصا ما في الموصوف إلا أنها مع ذلك لا تخرج عن الابهام والمقام مقام بيان مزايا البيت ومفاخره التي بها يتقدم على غيره في الشرف ولا يناسب ذلك إلا الاتيان ببيان واضح والوصف بما لا غبار عليه بالابهام والاجمال وهذا من الشواهد على كون قوله مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس إلى آخر الآية بيانا لقوله آيات بينات فالآيات هي مقام إبراهيم وتقرير الامن فيه وإيجاب حجه على الناس المستطيعين.
لكن لا كما يترائى من بعض التفاسير من كون الجمل الثلاث بدلا أو عطف بيان من قوله آيات لوضوح أن ذلك يحتاج إلى رجوع الكلام بحسب التقدير إلى مثل قولنا هي مقام إبراهيم والامن لمن دخله وحجه لمن استطاع إليه سبيلا وفي ذلك إرجاع قوله ومن دخله سواء كان إنشاءا أو إخبارا إلى المفرد بتقدير أن وإرجاع قوله ولله على الناس وهي جملة إنشائية إلى الخبرية ثم عطفه على الجملة السابقة وتأويلها إلى المفرد بذلك أو بتقدير أن فيها أيضا وكل ذلك مما لا يساعد عليه الكلام البتة.
وإنما سيقت هذه الجمل الثلاث أعني قوله مقام إبراهيم الخ كل لغرض خاص من إخبار أو إنشاء حكم ثم تتبين بها الآيات فتعطي فائدة البيان كما يقال فلان رجل شريف هو ابن فلان ويقري الضيف ويجب علينا أن نتبعه.
قوله تعالى مقام إبراهيم مبتدأ لخبر محذوف والتقدير فيه مقام إبراهيم وهو الحجر الذي عليه أثر قدمي إبراهيم الخليل عليه السلام وقد استفاض النقل بأن الحجر مدفون