القياسي والتقدير قل إن هذا الانزال والايتاء الإلهي الذي تحتالون في تخصيصه بأنفسكم بالتظاهر على الايمان والكفر والايصاء بالكتمان أمر لا نستوجبه معاشر الناس على الله تعالى بل هو من الفضل والفضل بيد الله الذي له الملك وله الحكم فله أن يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.
ففي الكلام نفي ما يدل عليه قولهم وفعلهم من تخصيص النعمة الإلهية بأنفسهم بجميع جهاته المحتملة فإن تنعم بعض الناس بفضل الله تعالى دون البعض كتنعم اليهود بنعمة الدين والقبلة وحرمان غيرهم إما أن يكون لان الفضل منه تعالى يمكن أن يقع تحت تأثير الغير فيزاحم المشية الإلهية ويحبس فضله عن جانب ويصرفه إلى آخر وليس كذلك فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
وأما أن يكون لان الفضل قليل غير واف والمفضل عليهم كثيرون فيكون إيتائه على البعض دون البعض يحتاج إلى انضمام مرجح فيحتال إلى إقامة مرجح لتخصيص البعض الذي ينعم عليه وليس كذلك فإن الله سبحانه واسع الفضل والمقدرة.
وإما أن يكون لان الفضل وإن كان واسعا وبيد الله لكن يمكن أن يحتجب المفضل عليه عنه تعالى بجهل منه فلا ينال الفضل فيحتال في حجبه وستر حاله عنه تعالى حتى يحرم من فضله وليس كذلك فإن الله سبحانه عليم لا يطرأ عليه جهل.
قوله تعالى يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم فلما كان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وكان واسعا عليما أمكن أن يختص بعض عباده ببعض نعمه فإن له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء وليس إذا لم يكن ممنوع التصرف في فضله وإيتائه عباده أن يجب عليه أن يؤتي كل فضله كل أحد فإن هذا أيضا نوع ممنوعية في التصرف بل له أن يختص بفضله من يشاء.
وقد ختم الكلام بقوله والله ذو الفضل العظيم وهو بمنزلة التعليل لجميع المعاني السابقة فإن لازم عظمة الفضل على الاطلاق أن يكون بيده يؤتيه من يشاء وأن يكون واسعا في فضله وأن يكون عليما بحال عباده وما هو اللائق بحالهم من الفضل وأن يكون له أن يختص بفضله من يشاء.
وفي تبديل الفضل بالرحمة في قوله يختص برحمته من يشاء دلالة على أن