أنثى لكنا أردنا بذلك إنجاز ما كانت تتمناه بأحسن وجه وأرضى طريق ولو كانت تعلم ما أردناه من جعل ما في بطنها أنثى لم تتحسر ولم تحزن ذاك التحسر والتحزن والحال أن الذكر الذي كانت ترجوه لم يكن ممكنا أن يصير مثل هذا الأنثى التي وهبناها لها ويترتب عليه ما يترتب على خلق هذه الأنثى فإن غاية أمره أن يصير مثل عيسى نبيا مبرئا للأكمه والأبرص ومحييا للموتى لكن هذه الأنثى ستتم به كلمة الله وتلد ولدا بغير أب وتجعل هي وابنها آية للعالمين ويكلم الناس في المهد ويكون روحا وكلمة من الله مثله عند الله كمثل آدم إلى غير ذلك من الآيات الباهرات في خلق هذه الأنثى الطاهرة المباركة وخلق ابنها عيسى عليهما السلام.
ومن هنا يظهر أن قوله وليس الذكر كالأنثى مقول له تعالى لا لامرأة عمران ولو كان مقولا لها لكان حق الكلام ان يقال وليس الأنثى كالذكر لا بالعكس وهو ظاهر فإن من كان يرجو شيئا شريفا أو مقاما عاليا ثم رزق ما هو أخس منه واردأ إنما يقول عند التحسر ليس هذا الذي وجدته هو الذي كنت أطلبه وأبتغيه أو ليس ما رزقته كالذي كنت أرجوه ولا يقول ليس ما كنت أرجوه كهذا الذي رزقته البتة وظهر من ذلك أن اللام في الذكر والأنثى معا أو في الأنثى فقط للعهد.
وقد أخذ أكثر المفسرين قوله وليس الذكر كالأنثى تتمة قول امرأة عمران وتكلفوا في توجيه تقديم الذكر على الأنثى بما لا يرجع إلى محصل من أراده فليرجع إلى كتبهم.
قوله تعالى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم معنى مريم في لغتهم العابدة والخادمة على ما قيل ومنه يعلم وجه مبادرتها إلى تسمية المولودة عند الوضع ووجه ذكره تعالى لتسميتها بذلك فإنها لما أيست من كون الولد ذكرا محررا للعبادة وخدمة الكنيسة بادرت إلى هذه التسمية وأعدتها بالتسمية للعبادة والخدمة فقولها وإني سميتها مريم بمنزلة أن تقول إني جعلت ما وضعتها محررة لك والدليل على كون هذا القول منها في معنى النذر قوله تعالى فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا الآية.
ثم أعاذتها وذريتها بالله من الشيطان الرجيم ليستقيم لها العبادة والخدمة ويطابق اسمها المسمى.