فقد تبين أن اصطفاء مريم وتطهيرها إنما هما استجابة لدعوة أمها كما أن اصطفائها على نساء العالمين في ولادة عيسى وكونها وابنها آية للعالمين تصديق لقوله تعالى وليس الذكر كالأنثى.
قوله تعالى وكفلها زكريا وانما كفلها بإصابة القرعة حيث اختصموا في تكفلها ثم تراضوا بينهم بالقرعة فأصابت القرعة زكريا كما يدل عليه قوله تعالى وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون الآية.
قوله تعالى كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا الخ المحراب المكان المخصوص بالعبادة من المسجد والبيت قال الراغب ومحراب المسجد قيل سمى بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى وقيل سمى بذلك لكون حق الإنسان فيه أن يكون حريبا أي سليبا من أشغال الدنيا ومن توزع الخاطر وقيل الأصل فيه أن محراب البيت صدر المجلس ثم اتخذت المساجد فسمى صدره به وقيل بل المحراب أصله في المسجد وهو اسم خص به صدر المجلس فسمى صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد وكأن هذا أصح قال عز وجل يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل انتهى.
وذكر بعضهم أن المحراب هنا هو ما يعبر عنه أهل الكتاب بالمذبح وهو مقصورة في مقدم المعبد لها باب يصعد إليه بسلم ذي درجات قليلة ويكون من فيه محجوبا عمن في المعبد.
أقول واليه ينتهى اتخاذ المقصورة في الاسلام.
وفي تنكير قوله رزقا إشعار بكونه رزقا غير معهود كما قيل إنه كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ويؤيده أنه لو كان من الرزق المعهود وكان تنكيره يفيد أنه ما كان يجد محرابها خاليا من الرزق بل كان عندها رزق ما دائما لم يقنع زكريا بقولها هو من عند الله إن الله يرزق الخ في جواب قوله يا مريم أنى لك هذا لامكان أن يكون يأتيها بعض الناس ممن كان يختلف إلى المسجد لغرض حسن أو سيئ.