قوله تعالى وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وذلك إخراج المؤمن من صلب الكافر وإخراج الكافر من صلب المؤمن فإنه تعالى سمى الايمان حياة ونورا والكفر موتا وظلمة كما قال تعالى أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها: الانعام - 122 ويمكن أن يراد الأعم من ذلك ومن خلق الاحياء كالنبات والحيوان من الأرض العديمة الشعور وإعادة الاحياء إلى الأرض بإماتتها فإن كلامه تعالى كالصريح في أنه يبدل الميت إلى الحي والحي إلى الميت قال تعالى ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون: المؤمنون - 15 إلى غيرها من الآيات.
وأما ما ذهب إليه بعض علماء الطبيعة أن الحياة التي تنتهي إلى جراثيمها تسلك فيها سلوكا من جرثومة حية إلى أخرى مثلها من غير أن تنتهي إلى المادة الفاقدة للشعور وذلك لانكاره الكون الحادث فيبطله الموت المحسوس الذي تثبته التجربة في جراثيم الحياة فتبدل الحياة إلى الموت يكشف عن الربط بينهما ولبقية الكلام مقام آخر.
والآية أعني قوله تعالى تولج الليل في النهار إلخ تصف تصرفه تعالى في الملك الحقيقي التكويني كما أن الآية السابقة أعني قوله تؤتي الملك من تشاء إلخ تصف تصرفه في الملك الاعتباري الوضعي وتوابعه.
وقد وضع في كل من الآيتين أربعة أنحاء من التصرف بنحو التقابل فوضع في الأولى إيتاء الملك ونزعه وبحذائهما في الثانية إيلاج الليل في النهار وعكسه ووضع الاعزاز والاذلال وبحذائهما إخراج الحي من الميت وعكسه وفي ذلك من عجيب اللطف ولطيف المناسبة ما لا يخفى فإن إيتاء الملك نوع تسليط لبعض أفراد الناس على الباقين بإعفاء قدر من حريتهم وإطلاقهم الغريزي وإذهابها كتسليط الليل على النهار بإذهاب الليل بعض ما كان يظهره النهار ونزع الملك بالعكس من ذلك وكذا إعطاء العزة نوع إحياء لمن كان خامد الذكر خفي الأثر لولاها نظير إخراج الحي من الميت والاذلال بالعكس من ذلك وفي العزة حياة وفي الذلة ممات.
وهنا وجه آخر وهو أن الله عد النهار في كلامه آية مبصرة والليل آية ممحوة قال تعالى فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة: الاسراء - 12 ومظهر