وثانيا يدل بتقديم لفظ الجلالة على بيان السبب فهو تعالى مالك الملك لأنه الله جلت كبريائه وهو ظاهر.
وثالثا أن المراد بالملك في الآية الشريفة والله أعلم ما هو أعم من الحقيقي والاعتباري فإن ما ذكر من أمره تعالى في الآية الأولى أعني قوله تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء على ما سنوضحه من شؤون الملك الاعتباري وما ذكره في الآية الثانية من شؤون الملك الحقيقي فهو مالك الملك مطلقا.
قوله تعالى تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء الملك باطلاقه شامل لكل ملك حقا أو باطلا عدلا أو جورا فان الملك كما تقدم بيانه في قوله أن آتاه الله الملك الآية: البقرة - 258 في نفسه موهبة من مواهب الله ونعمة يصلح لان يترتب عليه آثار حسنة في المجتمع الانساني وقد جبل الله النفوس على حبه والرغبة فيه والملك الذي تقلده غير أهله ليس بمذموم من حيث إنه ملك وإنما المذموم إما تقلد من لا يليق بتقلده كمن تقلده جورا وغصبا وإما سيرته الخبيثة مع قدرته على حسن السيرة ويرجع هذا الثاني أيضا بوجه إلى الأول.
وبوجه آخر يكون الملك بالنسبة إلى من هو أهله نعمة من الله سبحانه إليه وبالنسبة إلى غير أهله نقمة وهو على كل حال منسوب إلى الله سبحانه وفتنة يمتحن به عباده.
وقد تقدم أن التعليق على المشية في أفعاله تعالى كما في هذه الآية ليس معناه وقوع الفعل جزافا تعالى عن ذلك بل المراد عدم كونه تعالى مجبرا في فعله ملزما عليه فهو تعالى يفعل ما يفعل بمشيته المطلقة من غير أن يجبره أحد أو يكرهه وأن جرى فعله على المصلحة دائما.
قوله تعالى وتعز من تشاء وتذل من تشاء العز كون الشئ بحيث يصعب مناله ولذا يقال للشئ النادر الوجود أنه عزيز الوجود أي صعب المنال ويقال عزيز القوم لمن يصعب قهره والغلبة عليه من بينهم فهو صعب المنال بالقهر والغلبة وصعب المنال من حيث مقامه فيهم ووجد انه كل ما لهم من غير عكس ثم استعمل في كل