تشريعا كذلك الرزق الخاص هو الذي عن مجرى الحل مقضى مقدر قال تعالى قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراءا على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين: الانعام - 140 وقال تعالى والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء:
النحل - 71 والآيتان كما ترى ذواتا إطلاق قطعي يشمل الكافر والمؤمن ومن يرتزق بالحلال ومن يرتزق بالحرام.
ومن الواجب أن يعلم أن الرزق كما مر من معناه هو الذي ينتفع به من العطية على قدر ما ينتفع فمن أوتي الكثير من المال وهو لا يأكل إلا القليل منه فإنما رزقه هو الذي أكله والزائد الباقي ليس من الرزق إلا من جهة الايتاء دون الاكل فسعة الرزق وضيقه غير كثرة المال مثلا وقلته وللكلام في الرزق تتمة ستمر بك في قوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين: هود - 6.
ولنرجع إلى ما كنا فيه من الكلام في قوله تعالى وترزق من تشاء بغير حساب فنقول توصيف الرزق بكونه بغير حساب إنما هو لكون الرزق منه تعالى بالنظر إلى حال المرزوقين بلا عوض ولا استحقاق لكون ما عندهم من استدعاء أو طلب أو غير ذلك مملوكا له تعالى محضا فلا يقابل عطيته منهم شئ فلا حساب لرزقه تعالى.
وأما كون نفى الحساب راجعا إلى التقدير بمعنى كونه غير محدود ولا مقدر فيدفعه آيات القدر كقوله تعالى إنا كل شئ خلقناه بقدر: القمر - 49 وقوله ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا " الطلاق - 3 فالرزق منه تعالى عطية بلا عوض لكنه مقدر على ما يريده تعالى.
وقد تحصل من الآيتين اولا أن الملك بضم الميم كله لله كما أن الملك بكسر الميم كله لله.
وثانيا أن الخير كله بيده ومنه تعالى.
وثالثا أن الرزق عطية منه تعالى بلا عوض واستحقاق.