قول ما من الأقوال بين العامة وخاصة إذا كان مما يرتبط بالغريزة ويستحسنه القريحة ويطمأن إليه النفوس المتوقعة أقوى سبب لتوحيد الميول المتفرقة وجعل الجماعات المتشتتة يدا واحدا تقبض وتبسط بإرادة واحدة لا يقوم لها شئ.
ومن الضروري أن النبوة منذ أقدم عهود ظهورها تدعو الناس إلى العدل وتمنعهم عن الظلم وتندبهم إلى عبادة الله والتسليم له وتنهاهم عن اتباع الفراعنة الطاغين والنماردة المستكبرين المتغلبين ولم تزل هذه الدعوة بين الأمم منذ قرون متراكمة جيلا بعد جيل وأمة بعد أمة وإن اختلفت بحسب السعة والضيق باختلاف الأمم والأزمنة ومن المحال أن يلبث مثل هذا العامل القوى بين الاجتماعات الانسانية قرونا متمادية وهو منعزل عن الأثر خال عن الفعل.
وقد حكى القرآن الكريم في ذلك شيئا كثيرا من الوحي المنزل على الأنبياء عليهم السلام كما حكى عن نوح فيما يشكوه لربه رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم: نوح - 23 وكذا ما وقع بينه وبين عظماء قومه من الجدال على ما يحكيه القرآن قال تعالى قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون: الشعراء - 113 وقول هود عليه السلام لقومه أ تبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم جبارين " الشعراء 130 وقول صالح عليه السلام لقومه فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون " الشعراء - 152.
ولقد قام موسى عليه السلام للدفاع عن بني إسرائيل ومعارضة فرعون في سيرته الجائرة الظالمة وانتهض قبله إبراهيم عليه السلام لمعارضة نمرود ومن بعده عيسى بن مريم عليه السلام وسائر أنبياء بني إسرائيل في معارضة مترفي أعصارهم من الملوك والعظماء وتقبيح سيرهم الظالمة ودعوة الناس إلى رفض طاعة المفسدين واتباع الطاغين.
وأما القرآن فاستنهاضه الناس على الامتناع عن طاعة الافساد والاباء عن الضيم وإنبائه عن عواقب الظلم والفساد والعدوان والطغيان مما لا يخفى قال تعالى ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك