الملك بكسر الميم ما هو حقيقي وهو كون شئ كالانسان مثلا بحيث يصح له أن يتصرف في شئ أي تصرف أمكن بحسب التكوين والوجود كما يمكن للانسان أن يتصرف في باصرته بإعمالها وإهمالها بأي نحو شاء وأراد وكذا في يده بالقبض والبسط والاخذ بها والترك ونحو ذلك ولا محالة بين المالك وملكه بهذا المعنى رابطة حقيقية غير قابلة التغير يوجب قيام المملوك بالمالك نحو قيام لا يستغنى عنه ولا يفارقه إلا بالبطلان كالبصر واليد إذا فارقا الانسان ومن هذا القبيل ملكه تعالى بكسر الميم للعالم ولجميع أجزائه وشئونه على الاطلاق فله أن يتصرف فيما شاء كيفما شاء.
ومن الملك بكسر الميم ما هو وضعي اعتباري وهو كون الشئ كالانسان بحيث يصح له أن يتصرف في شئ كيف شاء بحسب الرابطة التي اعتبرها العقلاء من أهل الاجتماع لغرض نيل الغايات والاغراض الاجتماعية وإنما هو محاذاة منهم لما عرفوه في الوجود من الملك الحقيقي وآثاره فاعتبروا مثله في ظرف اجتماعهم بالوضع والدعوى لينالوا بذلك من هذه الأعيان والأمتعة فوائد نظير ما يناله المالك الحقيقي من ملكه الحقيقي التكويني.
ولكون الرابطة بين المالك والمملوك في هذا النوع من الملك بالوضع والاعتبار نرى ما نرى فيه من جواز التغير والتحول فمن الجائز أن ينتقل هذا النوع من الملك من إنسان إلى آخر بالبيع والهبة وسائر أسباب النقل.
وأما الملك بالضم فهو وإن كان من سنخ الملك بالكسر إلا أنه ملك لما يملكه جماعة الناس فإن المليك مالك لما يملكه رعاياه له أن يتصرف فيما يملكونه من غير أن يعارض تصرفهم تصرفه ولا أن يزاحم مشيئتهم مشيئته فهو في الحقيقة ملك على ملك وهو ما نصطلح عليه بالملك الطولي كملك المولى للعبد وما في يده ولهذا كان للملك بالضم من الأقسام ما ذكرناه للملك بالكسر.
والله سبحانه مالك كل شئ ملكا مطلقا أما أنه مالك لكل شئ على الاطلاق فلان له الربوبية المطلقة والقيمومة المطلقة على كل شئ فإنه خالق كل شئ وإله كل شئ قال تعالى ذلكم الله ربكم خالق كل شئ لا إله إلا هو: المؤمن - 62