بذل المال لمن يستحق البذل والاستغفار بالاسحار يستلزم قيام آخر الليل والاستغفار فيه والسنة تفسره بصلاة الليل والاستغفار في قنوت الوتر وقد ذكر الله أنه سبيل الانسان إلى ربه كما في سورتي المزمل والدهر من قوله تعالى بعد ذكر قيام الليل والتهجد به " أن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا " المزمل - 19 الدهر - 29.
قوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط أصل الشهادة هو المعاينة أعني تحمل العلم عن حضور وحس ثم استعمل في أدائها وإظهار الشاهد ما تحمله من العلم ثم صار كالمشترك بين التحمل والتأدية بعناية وحدة الغرض فإن التحمل يكون غالبا لحفظ الحق والواقع من أن يبطل بنزاع أو تغلب أو نسيان أو خفاء فكانت الشهادة تحفظا على الحق والواقع فبهذه العناية كان التحمل والتأدية كلاهما شهادة أي حفظا وإقامة للحق والقسط هو العدل.
ولما كانت الآيات السابقة أعني قوله إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا إلى قوله والمستغفرين بالاسحار تبين أن الله سبحانه لا إله غيره ولا يغني عنه شئ وأن ما يحسبه الانسان مغنيا عنه ويركن إليه في حياته ليس إلا زينة وإلا متاعا خلقه الله ليتمتع به في سبيل ما هو خير منه ولا ينال الا بتقوى الله تعالى وبعبارة أخرى هذه النعم التي يحن إليها الانسان مشتركة في الدنيا بين الكافر والمؤمن مختصة في الآخرة بالمؤمن أقام الشهادة في هذه الآية على أن هذا الذي بينته الآيات حق لا ينبغي أن يرتاب فيه.
فشهد وهو الله عز اسمه على أنه لا إله إلا هو وإذ ليس هناك إله غيره فليس هناك أحد يغني منه شيئا من مال أو ولد أو غير ذلك من زينة الحياة أو أي سبب من الأسباب إذ لو أغني شئ من هذه منه شيئا لكان الها دونه أو معتمدا إلى إله دونه منتهيا إليه ولا إله غيره.
شهد بهذه الشهادة وهو قائم بالقسط في فعله حاكم بالعدل في خلقه إذ دبر أمر العالم بخلق الأسباب والمسببات والقاء الروابط بينها وجعل الكل راجعا إليه بالسير والكدح والتكامل وركوب طبق عن طبق ووضع في مسير هذا المقصد نعما لينتفع