فيه لذة الغذاء ولذة النكاح لا يستريح الانسان في طريق النيل إليهما دون أن يتحمل كل تعب وعناء ويقاسي كل مصيبة وبلاء وهو في اقتناء هذه الشهوات مختال فخور بما ليس فيه إلا الغرور وأما الصنع والخلقة فينال بغيته و يبلغ أمنيته فإنه ما كان يريد بهذا التدبير إلا بقاء وجود الفرد وقد حصل بالتغذي والابقاء وجود النوع وقد حصل بالنكاح والسفاد ولم يبق للانسان مثلا فيما كان يريده إلا الخيال.
وإذا كان هذه اللذائذ الدنيوية مقصودة في الخلقة لأجل غرض محدود معجل فلا معنى لتحققها في ما لا تحقق هناك لذلك الغرض فلذة الأكل والشرب وجميع اللذائذ الراجعة إلى التغذي مقصودة في الطبيعة لأجل حفظ البدن عن آفة التحلل وفساد التركيب وهو الموت ولذة النكاح وجميع اللذائذ المرتبطة به وهي أمور جمة إنما تقصدها الخلقة لأجل حفظ النوع من الفناء والاضمحلال فلو فرض للانسان وجود لا يلحقه موت ولا فناء وحياة مأمونة من كل شر ومكروه فأي فائدة تترتب على وجود القوى البدنية التي تعمل لأجل تحصيل بقاء الشخص أو النوع وأي ثمرة يثمرها تجهيزات البدن وأعضائه كالكلي والمثانة والطحال والكبد وغيرها وجميعها إنما أوجدت لأعمال تنفع في البقاء المعجل المحدود دون البقاء المخلد المؤبد.
وأما الجواب فهو أن الله سبحانه إنما خلق ما خلق من لذائذ الدنيا والنعم التي تتعلق بها هذه اللذائذ زينة في الأرض ليقصدها الانسان فينجذب إلى الحياة ويتعلق بها كما قال إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها: الكهف - 7 وقال المال والبنون زينة الحياة الدنيا: الكهف - 46 وقال تبتغون عرض الحياة الدنيا: النساء - 94 وقال وهو أجمع للغرض ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى: طه - 131 وقال أيضا وما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون: القصص - 60 إلى غير ذلك من الآيات وجميعها تبين أن هذه النعم الموجودة في الدنيا واللذائذ المتعلقة بها أمور مقصودة لأجل الحياة وأمتعة يتمتع بها لأجل الحياة هذه الحياة المحدودة التي لا تتعدى أياما قلائل فلو لا الحياة لما كانت هي مقصودة ولا مخلوقة وهذا هو حق الامر.
لكن يجب أن يعلم أن وجود الانسان الباقي ليس إلا هذا الوجود الذي يمكث