هيهنا برهة من الزمان بتحولة من طور إلى طور وليس ذلك إلا روحا كائنا من بدن وعلى بدن هو مجموع هذه الاجزاء المأخوذة من هذه العناصر والقوى الفعالة فيها ولو فرض ارتفاع هذه الأمور التي نعدها مقدمات مقصودة للبقاء لم يبق وجود ولا بقاء أعني أن فرض عدمها هو فرض عدم الانسان رأسا لا فرض عدم استمرار وجود الانسان فافهم ذلك.
فالانسان في الحقيقة هو الذي ينشعب أفرادا ويأكل ويشرب وينكح ويتصرف في كل شئ بالأخذ والاعطاء ويحس ويتخيل ويعقل ويسر ويفرح ويبتهج وهكذا كل ذلك ملائم لذاته الذي هو كالمجموع منها وبعضها مقدمة لبعضها وهو السائر الدائر في مثل مسافة دورية.
فإذا نقله الله من دار الفناء إلى دار البقاء وكتب عليه الخلود والدوام إما بثواب دائم أو بعقاب دائم لم يكن ذلك بابطال وجوده وإيجاد وجود باق بل بإثبات وجوده بعد ما كان متغيرا في معرض الزوال فهو لا محالة إما متنعم بنعم من سنخ نعم الدنيا لكنها باقية أو نقم ومصائب من سنخ نقم الدنيا ومصائبها وكل ذلك منكوح أو مأكول أو مشروب أو ملبوس أو مسكون أو قرين أو سرور أو نحو ذلك.
فالانسان هو الانسان وما يحتاج إليه ويستكمل به هو الذي كان يحتاج إليه ويستكمل به من مطالبه ومقاصده وإنما الفرق هو اختلاف الدارين بالبقاء وما يلحق به.
هذا هو الذي يظهر من كلامه سبحانه حيث يبين حقيقة البنية الانسانية فيقول " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون " المؤمنون - 16 انظر إلى موضع قوله ولقد خلقنا والخلق هو الجمع والتركيب وإلى موضع قوله ثم أنشأناه الدال على تبديل نحو الخلق والايجاد وإلى موضع قوله ثم إنكم يوم القيامة والمخاطب به هو الذي أنشئ خلقا آخر.
ويقول أيضا " قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون " الأعراف - 25 فيفيد أن حياة الانسان حياة أرضية مؤلفة من نعمها ومن نقمها وتقدم بعض الكلام