منها الانسان في عاجله لآجله وفي طريقه لمقصده لا ليركن إليه ويستقر عنده فالله يشهد بذلك وهو شاهد عدل.
ومن لطيف الامر أن عدله يشهد على نفسه وعلى وحدته في الوهيته أي إن عدله ثابت بنفسه ومثبت لوحدانيته بيان ذلك أنا إنما نعتبر في الشاهد العدالة ليكون جاريا على مستوى طريق الحياة ملازما لصراط الفطرة من غير أن يميل إلى إفراط أو تفريط فيضع الفعل في غير موضعه فتكون شهادته مأمونة عن الكذب والزور فملازمة الصدق والمجاراة مع صراط التكوين يوجب عدالة الانسان فنفس النظام الحاكم في العالم والجاري بين أجزائه الذي هو فعله سبحانه هو العدل محضا.
ونحن في جميع الوقائع التي لا ترضى بها نفوسنا من الحوادث الكونية أو نجدها على خلاف ما نميل إليه ونطمع فيه ثم نعترض عليها ونناقش فيها إنما نذكر في الاعتراض عليه ما يظهر لنا من حكم عقولنا أو تميل إليه غرائزنا وجميع ذلك مأخوذة من نظام الكون ثم نبحث عنها فيظهر سبب الحادثة فتسقط الشبهة أو نعجز عن الحصول على السبب فلا يقع في أيدينا إلا الجهل بالسبب أي عدم العلم دون العلم بالعدم فنظام الكون وهو فعل الله سبحانه هو العدل فافهم ذلك.
ولو كان هناك إله يغني منه في شئ من الأمور لم يكن نظام التكوين عدلا مطلقا بل كان فعل كل إله عدلا بالنسبة إليه وفي دائرة قضائه وعمله.
وبالجملة فالله سبحانه يشهد وهو شاهد عدل على أنه لا إله إلا هو يشهد لذلك بكلامه وهو قوله شهد الله أنه لا إله إلا هو على ما هو ظاهر الآية الشريفة فالآية في اشتمالها على شهادته تعالى للتوحيد نظيرة قوله تعالى " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " النساء - 166.
والملائكة يشهدون بأنه لا إله إلا هو فإن الله يخبر في آيات مكية نازلة قبل هذه الآيات بأنهم عباد مكرمون لا يعصون ربهم ويعملون بأمره ويسبحونه وفي تسبيحهم شهادة أن لا إله غيره قال تعالى بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الأنبياء - 27 وقال تعالى والملائكة يسبحون بحمد ربهم " الشورى - 5