في هذا المعنى في تفسير قوله تعالى " كان الناس أمة واحدة الآية " البقرة - 213.
وقد قال تعالى في هذه النعم الأرضية " ذلك متاع الحياة الدنيا " ثم قال وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع " الرعد - 26، فجعل نفس الحياة الدنيا متاعا في الآخرة يتمتع به وهذا من أبدع البيان وباب ينفتح به للمتدبر الف باب وفيه تصديق قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كما تعيشون تموتون وكما تموتون تبعثون.
وبالجملة الحياة الدنيا هي الوجود الدنيوي بما كسب من حسنة أو سيئة وهو الذي يتمتع به في الآخرة من حيث سعادته وشقائه أي ما يراه فوزا وفلاحا لنفسه وما يراه خيبة وخسرانا فيعطي سعادته بإعطاء لذائذه أو يحرم من نيلها وهما نعيم الجنة وعذاب النار.
وبعبارة أخرى واضحة للانسان مثلا سعادة بحسب الطبيعة وشقاء بحسبها في بقائه شخصا ونوعا وهما منوطتان بفعله الطبيعي من الأكل والشرب والنكاح وقد زينت له بلذائذ مقدمية وهذا بحسب الطبيعة ثم إذا أخذ الانسان في الاستكمال وأخذ في الفعالية بالشعور والإرادة صار نوعا كماله هو الذي يختاره شعوره وإرادته فما لا يشعر به ولا يشاءه ليس كمالا لهذا الموجود الشاعر المريد وإن كان كمالا طبيعيا وكذا العكس كما نرى أنا لا نلتذ بما لا نشعر به وإن كان من سعادة الطبيعة كصحة البدن والمال والولد ونلتذ بما نشعر به من اللذائذ وإن لم يطابق الخارج كالمريض المعتقد للصحه ونظائر ذلك فهذه اللذائذ المقدمية تصير كمالا حقيقيا لهذا الانسان وان كانت كمالات مقدمية للطبيعة فإذا أبقى الله سبحانه هذا الانسان بقاءا مخلدا كانت سعادته هي التي يشاءها من اللذائذ وشقائها هو الذي لا يشاءه سواء كانت بحسب الطبيعة مقدمة أو لم يكن إذ من البديهي أن خير الشخص أو القوة الشاعرة المريدة هو فيما يعلم به ويشاءه وشره فيما يعلم به ولا يريده.
فقد تحصل أن سعادة الانسان أن ينال في الآخرة ما كان يريده من لذائذ الحياة في الدنيا من الأكل والشرب والنكاح وما فوق ذلك وهو الجنة وشقائه أن لا ينال ذلك وهو النار قال تعالى " لهم فيها ما يشاؤون " النحل - 31.
قوله تعالى الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار وصف